للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكتاب، فمن الله عليهم بهذا الرسول وبهذا الكتاب، حتى صاروا أفضل الأمم. وفي كونه عليه الصلاة والسلام منهم فائدتان:

إحداهما: أن هذا الرسول كان أيضًا أميًا كأمته المبعوث إليهم، لم يقرأ كتابًا قط ولم يخطه بيمينه، كما قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: ٤٨] ، ولا خرج عن ديار قومه فأقام عند غيرهم حتى تعلم منهم، بل لو يزل أميًا بين أمة أمية لا يكتب ولا يقرأ حتى بلغ الأربعين من عمره، ثم جاء بعد ذلك بهذا الكتاب المبين، وهذه الشريعة الباهرة، وهذا الدين القيم الذي اعترف حذاق الأرض ونظارها أنه لم يقرع العالم ناموس أعظم منه، وفي هذا برهان عظيم على صدقه.


"وفي كونه عليه الصلاة والسلام منهم فائدتان: إحداهما: أن هذا الرسول كان أيضًا أميًا، كأمته المبعوث إليهم، لم يقرأ كتابًا قط، ولم يخطه": يكتبه "بيمينه، كما قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو} تقرأ {مِنْ قَبْلِهِ} أي: الكتاب المذكور في قوله: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} [العنكبوت: ٤٧] الآية، أي: القرآن، {من الْكِتَابَ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: ٤٨] ، الجارحة التي يكتب بها، وذكرها زيادة تصوير لما نفي عنه من الكناية، "ولا خرج عن ديار قومه" عطف على قوله: لم يقرأ، أي: خروجًا يقتضي تعلم شيء من غيره، كما أفاده قوله: "فأقام عند غيرهم حتى تعلم منهم" فلا يرد خروجه مع عمه، وفي تجارة خديجة؛ لأنه لم يقم فيهما إقامة تقتضي التعلم منهم، "بل لم يزل أميًا بين أمة" طائفة "أمية" لا تقرأ ولا تكتب، كيوم ولدتها أمهاتها على جبلتها، وتطرف من قال:
من أعجب الأشياء إني امرؤ ... عمي خالي وأبي أمي
"لا يكتب ولا يقرأ حتى بلغ الأربعين من عمره، ثم جاء بعد ذلك"، أي: حضرا، وظهر، وبعث "بهذا الكتاب المبين" اسم فاعل من أبان، بمعنى البين الواضح، أو بمعنى المظهر للشرائع وما فيها، والموضح لها، "وهذه الشريعة الباهرة" الغالبة، الفاضلة، على غيرها من الشرائع، "وهذا الدين القيم" هو أبلغ من المستقيم، باعتبار الوزن؛ لأنه صفة مشبهة تدل على الثبوت والدوام، والمستقيم أبلغ باعتبار صيغته الدالة على الطلب، فكأنه نفسه الذي يطلب قوامه، "الذي اعترف حذاق الأرض ونظارها؛ أنه لم يقرع" أي: يصل "العالم ناموس" رسول صاحب سر يبلغهم ما جاء به عن الله "أعظم منه، وفي هذا برهان عظيم على صدقه" وامتنان وثناء عظيم.
"الفائدة الثانية: التنبيه على أن المبعوث منهم، وهم الأميون، خصوصًا أهل مكة

<<  <  ج: ص:  >  >>