وحكى الجوهري وغيره: سكون الراء وكسر القاف "عن هذه الأوصاف، واستدل بها على صدقه فيما ادعاه من النبوة والرسالة"، فقال: سألتك عن نسبه، فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس، ويكذب على الله، إلى أن قال: وسألتك بما يأمركم، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقًا، فسيملك موضع قدمي هاتين. "وقد قال الله تعالى خطابًا له"، خطاب شفقة وتسلية {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: ٣٣] ، واستشكل ظاهره؛ لأن كذب القول يستلزم كذب قائله إلا أن يكون ناقلًا غير ملتزم للصحة، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما ذكره على أنه حق من عند الله، وأجيب بأن المراد ليس قصدهم تكذيبك؛ لأنك عندهم موسوم بالصدق، وإنما يقصدون تكذيبي والجحود بآياتي، أو لا يعتقدونك كاذبًا، وإنما ينسبون الكذب، لما جئت به عنادًا، أو لا يقولون عادتك الكذب لكننا ننكر النبوة، فلا يلزم أن تكون كذابًا، أو أنك غير متعمد للكذب، بل تخيلت أمرًا باطلًا، فالتكذيب المنفي بالنسبة لافتعاله وتعمده، فلا يكون عيبًا، قيل: وهذا أحسن التأويلات، وقيل: لا يخصونك بالتكذيب، وقيل: لا يكذبونك في السر ونقل ابن الجوزي عن قتادة: لا يكذبونك بحجة، بل بهتانًا وعنادًا. وقال عياض: ففي هذه الآية منزع لطيف المأخذ، من تسليته تعالى له صلى الله عليه وسلم وألطافه في القول؛ بأن قرر عنده أنه صادق عندهم، وأنهم غير مكذبين له، معترفين بصدقه قولًا واعتقادًا، وكانوا يسمونه قبل النبوة الأمين، فدفع عنه بهذا التقرير ارتماض نفسه بسمة الكذب، ثم جعل الذم