للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به، فأنزل الله تعالى الآية.

والمعنى: أنهم ينكرونه مع العلم بصحته. إذ الجحد لغة هو الإنكار مع العلم.

فإن قلت: فما الجمع بين هذا وبين قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} الآية [الأنعام: ٣٤] .

أجيب: بأنه على طريق الجحد، وهو يختلف باختلاف أحوالهم في الجهل، فمنهم من وقع منه ذلك لجهله، فحيث علم آمن، ومنهم من علم وأنكر كفرًا وعنادًا كأبي جهل. فيكون المراد بقوله: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ} ، قومًا مخصوصين منهم لا


لفظ روايتهما، فأنزل الله تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} ، "والمعنى أنهم ينكرونه مع العلم بصحته، إذ الجحد لغة" كما صرح به الجوهري والمجد وغيرهما، "هو الإنكار مع العلم" فهو محض عناد وبغي، "فإن قلت: فما الجمع بين هذا" {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ} ، وبين قوله تعالى: تلو هذه الآية {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِك} ، فإن مفادها أنهم كذبوا؛ لأنها تسلية له، إذ قوله: {فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} [الأنعام: ٣٤] ، معناه: فاصبر كما صبروا حتى يأتيك نصرنا بإهلاك من كذبك، كما أهلكنا من كذب الرسل من قبلك، ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين، أي: ما فيه تسلية لك، قيل: كان الأولى المعارضة بقوله تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} [فاطر: ٤] الآية، لصراحتها في التكذيب، دون هذه، ورده شيخنا تقريرًا؛ بأن ما سلكه المصنف أولى؛ لأن هذه الآية صرح فيها بالقضية الشرطية، فلا تستلزم التكذيب بالفعل بخلاف، ولقد كذبت تستلزمه.
"أجيب بأنه" أي: التكذيب الصادر منهم "على طريق الجحد" لعلمهم بصدقه، وكذبوه عنادًا واستكبارًا عن الاتباع، فهم مصدقون في نفس الأمر، وإن كذبوا ظاهرًا، "وهو يختلف باختلاف أحوالهم في الجهل، فمنهم من وقع منه ذلك لجهله" لا جحدًا، "فحيث علم آمن، ومنهم من علم وأنكر كفرًا وعنادًا، كأبي جهل، فيكون المراد بقوله: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَك} قومًا مخصوصين منهم" وهم الذين كذبوا جهلًا، ثم آمنوا، أو المكذبون عنادًا، إذ هم مصدقون باطنًا، "لا كلهم، وحينئذ فلا تعارض" بين الآيتين. وفي الشفاء: من قرأ لا يكذبونك بالتخفيف، معناه لا يجدونك كاذبًا.
وقال الفراء والكسائي: لا يقولون: إنك كاذب، وقيل: لا يحتجون على كذبك ولا يثبتونه،

<<  <  ج: ص:  >  >>