للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يضعف عنه قوى البشر، وهو مع ذلك كاذب عليه، مفتر ساعٍ في الأرض بالفساد.

ومعلوم أن شهادته سبحانه وتعالى على كل شيء، وقدرته على كل شيء وحكمته وعزته وكماله المقدس يأبى ذلك كل الإباء، ومن ظن ذلك به وجوازه عليه فهو من أبعد الخلق عن معرفته إن عرف منه بعض صفاته كصفة القدرة وصفة المشيئة.

والقرآن كله مملوء من هذه الطريق، وهذه طريق الخاصة، بل خاصة الخاصة الذين يستدلون بالله على أفعاله، وما يليق به أن يفعله وما لا يفعله. وإذا تدبرت القرآن رأيته ينادي على ذلك وبيديه ويعيده لمن له فهم وقلب واع عن الله تعالى. قال الله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ


"سبحانه على كل شيء"، كما قال: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد} [سبأ: ٤٧] ، "وقدرته على كل شيء، وحكمته، وعزته، وكماله المقدس"، المطهر عما لا يليق به، "يأبى ذلك كل الإباء" أشد الامتناع، "ومن ظن ذلك به، وجوزه عليه، فهو من أبعد الخلق عن معرفته إن عرف منه بعض صفاته، كصفة القدرة وصفة المشيئة" أي: أن جميع الناس يدركون كثيرًا من صفاته ويقرون بها، ومن حق من عرف شيئًا منها أن يعترف بما ظهر له من الأدلة باتصافه صلى الله عليه وسلم بجميع صفات الكمال اللائقة بالأنبياء.
"والقرآن كله مملو من هذه الطريق، وهذه طريق الخاصة، بل خاصة الخاصة الذين يستدلون بالله" أي: بذاته وصفاته، "على أفعاله، وما يليق به أن يفعله وما لا يفعله" وليس الحكم مقصورًا على الذات من غير اعتبار، صفة زائدة عليها، كما تقول المعتزلة، "وإذا تدبرت القرآن" أي: تأملت معانيه وتبصرت ما فيه، "رأيته ينادي على ذلك، ويبديه ويعيده لمن له في وقلب واع عن الله تعالى" يتفكر به في حقائقه، فالمنتفع بالقرآن المتأهل لأمره ونهيه هو الجامع بين الحفظ والفهم، وإتعاب النفس في تأمل ألفاظه ومعانيه.
"قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّل} الرسول الكريم {عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ} بأن قال عنا ما لم نقله، {لَأَخَذْنَا} لنلنا {مِنْهُ} عقابًا {بِالْيَمِينِ} بالقوة والقدرة، {ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} نياط القلب، وهو عرق متصل به إذا انقطع مات صاحبه، {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ} هو اسم ماء ومن زائدة لتأكيد النفي، ومنكم حال من أحد، وهو في الأصل نعت له، فلما قدم عليه أعرب حالًا {عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: ٤٤] ، مانعين، خبر ما، وجمع؛ لأن أحدًا في سياق النفي، بمعنى

<<  <  ج: ص:  >  >>