للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: ٤٧] ، أفتراه سبحانه وتعالى يخبر أن كماله وحكمته وقدرته تأبى أن يقر من تقول عليه بعض الأقاويل، بل لا بد أن يجعله عبرة لعباده، كما جرت بذلك سننه في المتقولين عليه.

وقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} [الشورى: ٢٤] ههنا انتهى جواب الشرط. ثم أخبر خبرًا جازمًا غير معلق أنه يمحو الباطل ويحق الحق.

وقال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ


الجمع وضمير عنه للنبي، أي: لا مانع لنا عنه من حيث العقاب، "أفتراه سبحانه وتعالى يخبر أن كماله وحكمته وقدرته تأبى أن يقر من تقول عليه بعض الأقاويل"، ثم يقر من يكذب عليه، لا "بل لا بد أن يجعله عبرة لعباده، كما جرت بذلك سنته" عادته "في المتقولين عليه" فذلك دليل على صدقه صلى الله عليه وسلم.
"وقال تعالى: {أَمْ} بمعنى بل، {يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} بنسبة القرآن إلى الله، {فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} [الشورى: ٢٤] ، ههنا انتهى جواب الشرط" وهو فإن يشأ الله، والقصد به كما في البيضاوي استبعاد الافتراء عن مثله بالإشعار على أنه إنما يجترئ عليه من كان مختومًا على قلبه، جاهلًا، بربه، وأما من كان ذا بصيرة ومعرفة فلا، وكأنه قال: إن يشأ الله خذلانك تجترئ بالإفتراء عليه، وقيل: يختم على قلبك، يمسك القرآن والوحي عنه، أو يربط عليه بالصبر عليه، فلا يشق عليه إذا هم انتهى.
"ثم أخبر خبرًا جازمًا غير معلق، {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الشورى: ٢٤] ، فهو كما في البيضاوي استئناف لنفي الافتراء عما يقول؛ بأنه لو كان مفتري لمحقه، إذ من عادته تعالى محو الباطل وإثبات الحق بوحيه، أو بقضائه لا مرد له.
"وقال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} أي: ما عظموه حق عظمته، أو ما عرفوه حق معرفته، {إِذْ قَالُوا} للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد خاصموه في القرآن، {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٩٢] .
قال ابن عباس: قائل ذلك اليهود، وقال مجاهد: مشركو قريش، وقال السدي: فنحاض اليهودي، وقال سعيد بن جبير: مالك بن الصيف، أخرجهما ابن أبي حاتم، "فأخبر أن من نفي عنه الإرسال والكلام لم يقدره حق قدره، ولا عرفه كما ينبغي، ولا عظمه كما يستحق" في

<<  <  ج: ص:  >  >>