للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [العنكبوت: ٥١-٥٢] ، فأخبر سبحانه أن الكتاب الذي أنزله يكفي من كل آية، ففيه الحجة والدلالة على أنه من الله تعالى، وأن الله سبحانه أرسل به رسوله، وفيه بيان ما يوجب لمن اتبعه السعادة، وينجيه من العذاب، ثم قال: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فإذا كان سبحانه عالمًا بجميع الأشياء كانت شهادته أعظم شهادة وأعدلها، فإنها شهادة بعلم تام محيط بالمشهود به، وهو سبحانه وتعالى يذكر علمه عند شهادته وقدرته، وملكه عند مجازاته، وحكمته عند خلقه، وأمره ورحمته عند ذكر إرسال رسله، وحلمه عند ذنوب عباده. فتأمل ورود


ما أرسلت به إليكم، ونصحي، ومقابلتكم إياي بالتكذيب والتعنت {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فلا يخفى عليه حالي وحالكم {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِل} ، وهو ما يعبد من دون الله {وَكَفَرُوا بِاللَّهِ} منكم {أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُون} [العنكبوت: ٥٢] في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالإيمان.
"فأخبر سبحانه؛ أن الكتاب الذي أنزله يكفي من" أي: بدل، "كل آية" لانقضائها بخلافه، "ففيه الحجة، والدلالة على أنه من الله تعالى، وأن الله سبحانه أرسل به رسوله، وفيه بيان ما يوجب لمن اتبعه السعادة، وينجيه من العذاب" بقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ، "ثم قال: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، فإذا كان سبحانه عالمًا بجميع الأشياء" المعبر عنها بما في السموات والأرض "كانت شهادته أعظم شهادة وأعدلها، فإنها شهادة بعلم تام، محيط بالمشهود به" بخلاف شهادة غيره، فليس لها هذا الوصف، إذ قد يخفى عليه ما يمنعه من الشهادة بما شاهده لو علمه، "وهو سبحانه وتعالى، يذكر علمه عند شهادته" فهذا حكمة قوله: {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، بعد قوله: {شَهِيدًا} مع أنه مقطوع، محقق الحصول عند كل أحد.
"و" يذكر "قدرته وملكه عند مجازاته" لإفادته أنه لا يعجزه شيء، "وحكمته عند خلقه، وأمره ورحمته عند ذكر إرسال رسله، وحلمه عند ذنوب عباده" تنبيهًا لهم على التوبة، وأن لا يقنطوا، "فتأمل ورود أسمائه الحسنى في كتابه، وارتباطها بالخلق والأمر، والثواب والعقاب" يظهر لك من أسرارها العجب العجاب، وحاصله أن من عادته تعالى إذا ذكر أمرًا تقصر عن إدراكه العقول، ذكر أنه إنما أخبر عنه بعلم تام وقدرة كاملة، فليس إخباره عن شيء،

<<  <  ج: ص:  >  >>