"وقال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ} [الحج: ٨] تيسيره أطلق له؛ لأنه من أسبابه، وقيد به إشارة إلى أنه أمر صعب، لا يتأتى إلا بمعونته تعالى، قاله البيضاوي وغيره. وقال العز بن عبد السلام في مجاز القرآن: إذنه مشيئته وإرادته؛ لأن الغالب في الإذن أن لا يقع إلا بمشيئة، واعتبار الملازمة الغالبة تصحيح المجاز، أو بأمر التكوين، فإن الأمر يلازمه مشيئة الآمر غالبًا. وقال ابن عباس في قوله تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّه} بأمره [البقرة: ٢٥١] ، وقوله: {كُنْ} ، وهو من مجاز التمثيل، شبه سهولة الأشياء في قدرته بسهولة هذه الكلمة على الناطق بها، تفهيمًا لسرعة نفوذ مشيئته وقدرته فيما يريده، ويعبر بالإذن عن التيسير والتسهيل، كقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} [البقرة: ٢٢١] ، أي: بتيسيره وتسهيله، إذ لا يحسن أن يقال دعوته بإذني، ولا قمت وقعدت بإذني، ولذا قال الزمخشري: يجوز أن يراد بالإذن هنا الأمر، أي: يدعوكم إلى الجنة والمغفرة، بأمره إياكم بطاعته، وكلاهما من مجاز الملازمة. انتهى. {سِرَاجًا} أحوال مقدرة {مُنِيرًا} قال عياض: جمع الله له في هذه الآية ضروبًا من رتب الأثرة، وجملة أوصاف من المدحة، فجعله شاهدًا على أمته، بإبلاغهم الرسالة، وهي من خصائصه، ومبشرًا لأهل طاعته، ونذيرًا لأهل معصيته، وداعيًا إلى الله بإذنه إلى توحيده وعبادته وسراجًا منيرًا يهتدى به إلى الحق. وقال ابن عطية: هذه أرحى آية في القرآن؛ لأنه أمره بتبشير المؤمنين بالفضل الكبير، وقد فسره في آية أخرى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [الشورى: ٢٢] الآية، "أي: شاهدًا على الوحدانية" أي: اتصافه تعالى؛ بأنه واحد أحد، لا شريك له في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولم يقيد الشهادة، فشملت الشهادة بها في الدنيا والآخرة. وفي البيضاوي: شاهدًا على من بعثت إليهم، بتصديقهم وتكذيبهم، ونجاتهم وضلالهم،