"أحدهما: أنه إنما جاء بالسيف لمن استكبر وعاند ولم يتفكر ولم يتدبر" فعذابه إنما جاء من نفسه، كعين جرت فانتفع بها قوم وكسل آخرون، فهي رحمة لهما، وهو صلى الله عليه وسلم لم يرد ضررًا لأحد، وقد اجتهد في نفع كل أحد، وإيصال تلك الرحمة إليه، ولكن من يضلل الله فما له من هاد. "ومن أوصاف الله تعالى الرحمن الرحيم، ثم هو منتقم من العصاة"، ولا تنافي بين الوصفين، فكذا لا تنافي بين بعثه بالسيف وكونه رحمة، "وقال تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاء} مطرًا {مُبَارَكًا} [ق: ٩] ، كثير البركة والمنافع، "ثم قد يكون سببًا للفساد" بإهلاك الزرع وغيره، والقصد أنه لا مانع من وصف الشيء بالشيء، وضده لاختلاف من يقع عليه الأمران. "وثانيهما: أن كل نبي من الأنبياء قبل نبينا، إذا كذبه قومه أهلك الله المكذبين بالخسف"، كقارون، "والمسخ" قردة، كأصحاب أيلة بدعاء داود، وخنازير، كأصحاب المائدة بدعاء عيسى، قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [المائدة: ٧١] ، "والغرق" كقوم نوح وفرعون وقومه، وبالريح العاصف فيها حصباء، كقوم لوط، وبالصيحة، كثمود، وقال تعالى: {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} [العنكبوت: ٤٠] "وقد أخر الله عذاب من كذب نبينا إلى الموت، إو إلى يوم القيامة" فتأخيره رحمة؛ لأنه لم يجمع