للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} فهل أصابك من هذه الرحمة شيء؟ قال: نعم، كنت أخشى عاقبة الأمر فأمنت بك، لثناء الله تعالى علي في قوله: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} " [التكوير: ٢١] .

وهذا يقتضي أن محمدًا صلى الله عليه وسلم أفضل من جبريل، وهو الذي عليه الجمهور، خلافًا لمن زعم أن جبريل أفضل واستدل: بأن الله وصف جبريل بسبعة أوصاف من أوصاف الكمال في قوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ


"تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} ، فهل أصابك من هذه الرحمة شيء؟ قال: نعم كنت أخشى عاقبة هذا الأمر" أي: خاتمته، "فآمنت بك لثناء الله تعالى علي في قوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير: ٢١] ، ولا يعارض هذا ما روي أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك؟، قال: وما لي لا أبكي، فوالله ما جفت لي عين منذ خلق الله النار، مخافة أن أعصيه فيقذفني فيها"، أخرجه أحمد في الزهد عن أبي عمران الجوني بلاغًا.
وأخرج ابو الشيخ عن عبد العزيز بن أبي داود، قال: نظر الله إلى جبريل وميكائيل، وهما يبكيان، فقال الله: ما يبكيكما وقد علمتما أني لا أجور؟، قالا: يا رب إنا لا نأمن مكرك، قال: هكذا فافعلا، فإنه لا يأمن مكري إلا كل خاسر"؛ لأنه كلما زاد القرب زاد الخوف، فالمقرب لا يزال خائفًا ممن يهابه، أو؛ لأنه من عظمة الله تعالى قد يذهل عن الأمان.
"وهذا يقتضي أن محمدًا صلى الله عليه وسلم أفضل من جبريل، وهو الذي عليه الجمهور" بل حكى الرازي عليه الإجماع، وكذا ابن السبكي والبلقيني والزركشي، وقال: إنهم استثنوه من الخلاف في التفضيل بين النبي والملك، "خلافًا لمن زعم" وهو الزمخشري في الكشاف، "أن جبريل أفضل" وقد قال بعض علماء المغاربة: جهل الزمخشري مذهبه، فإن المعتزلة مجمعون على أنه أفضل من جبريل.
نعم قيل: إن طائفة منهم خرقوا الإجماع، كالرماني، فتبعهم الكشاف جهلًا.
"واستدل بأن الله وصف جبريل بسبعة أوصاف من أوصاف الكمال في قوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} أي: جامع لأنواع الخبر، ففيه شهادة له بعلو، الرتبة وليس المراد كريم عند مرسله، كما قيل به في {أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} وإن أجيز هنا للاستغناء عنه بعند ذي العرش، {ذِي قُوَّة} على تبليغ ما حمله من الوحي، وعلى اقتلاع المدائن والجبال، وإهلاك صيحته كل من سمعها، وهبوطه إلى الأرض، وصعوده في طرفة عين إلى غير ذلك، {عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ} صفة مستقلة عنده؛ لأنه عدها سبعًا، لا متعلقة بما قبله، ولا ربما بعده، وإلا فهي ستة،

<<  <  ج: ص:  >  >>