للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} ، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس


كذبوه، وقالوا يه ما ليس فيه، ومن ثم لم يعرج الحافظ على رواية ابن عساكر ومن معه، هذه بل جزم في الفتح والإصابة؛ بأنه أسلم أول ما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وغلط من قال: أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعامين.
وقد أخرج أحمد وأصحاب السنن عن عبد الله بن سلام، قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس لقدومه، فكنت فيمن انجفل، فلما تبينت وجهه، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فسمعته يقول: "أفشوا السلام، وأطعموا الطعام"، الحديث، ومحال على من أسلم قبل ذلك أن يشك بعد ذلك، وأنه يسأله امتحانًا ليعلم، أهو نبي أم لا؟، وقد اختلف في أن سورة الإخلاص مكية أو مدينة، وأخرج الترمذي والحاكم وابن خزيمة، عن أبي ابن كعب أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك، فأنزل الله {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} ، إلى آخرها.
وأخرج الطبراني وابن جرير، مثله من حديث جابر، فاستدل به على أنها مكية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: أن اليهود جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، منهم كعب بن الأشرف، وحيي بن أخطب، فقالوا: يا محمد صف لنا ربك الذي بعثك، فأنزل الله {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} ، وروى ابن جرير عن قتادة، وعن المنذر عن سعيد بن جبير مثله، فاستدل بهذا على أنها مدنية، ولابن جرير عن أبي العالية، قال: قال قادة الأحزاب: انسب لنا ربك، فأتاه جبريل بهذه السورة، قال في اللباب: وهذا يبين المراد بالمشركين في حديث أبي: فتكون السورة مدنية، كما دل عليه حديث ابن عباس، وينتفي التعارض بين الحديثين، لكن روى أبو الشيخ في العظمة، عن أنس أتت يهود خيبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا أبا القاسم خلق الله الملائكة من نور الحجاب، وآدم من حمأ مسنون، وإبليس من لهب النهار والسماء من دخان، والأرض من زبد الماء، فأخبرنا عن ربك، فلم يجبهم فأتاه جبريل بهذه السورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} انتهى.
نعم بقية الحديث ثابتة عن ابن سلام، علقها البخاري تلو حديث ابن عمر، والآتي، وأخرجها الدارمي، ويعقوب بن سفيان، والطبراني، وهو قوله: "وإني لأجد صفتك في كتاب الله" يعني التوراة، ففي رواية الجماعة عنه: إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} على أمتك بما يفعلون لهم وعليهم، مقبولًا عند الله، {وَمُبَشِّرًا} لمن أجابك بالثواب {وَنَذِيرًا} ، مخوفا لمن عصاك بالعذاب، "أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل" أي: على الله، لقناعته باليسير من الرزق، واعتماده على الله في السر والجهر، والصبر على انتظار الفرج، والأخذ بمحاسن الأخلاق، واليقين بتمام وعد الله، فتوكل على الله، فسماه الله المتوكل، "ليس بفظ" سيئ الخلق جاف.
وفيه التفات من الخطاب إلى الغيبة، إذ لو جرى على نسق الأول، لقال: لست بفظ

<<  <  ج: ص:  >  >>