للخنا، أسدده بكل جميل، وأهب له كل خلق كريم، ثم أجعل السكينة لباسه، والبر شعاره، التقوى ضميره، والحكمة معقوله, والصدق والوفاء طبيعته، والعفو والمعروف خلقه، والعدل سيرته، والحق شريعته، والهدى إمامه، والإسلام ملته،
ونون مقصورة" قبيح الكلام، وهذا مع ما قبله يفيد أنه لا يصدر عنه صلى الله عليه وسلم شيء منه قليل ولا كثير؛ لأن الفحش بمعناه، أو فعال للنسبة، كتمًا رأى ليس بذي قول للخنا، ولما ذكر صفات التخلية، بقوله: ليس بفظ، إلى هنا ذكر صفات التحلية بطريق وعد من لا يخلف وعده، مستأنفًا لمقصد أعلى مما قبله، ولذا لم يعطفه، أو في جواب سؤال هو، فما تفعل به بعد أن صنته عن النقائص، فقال: "اسدده" أوفقه للسداد، وهو الصواب، واقصد من القول والعمل "بكل جميل" حسن صورة كان، أو معنى يليق به، "وأهب" بفتحتين" أعطي "له كل خلق "بضمتين وتسكن اللام" السجية والطبيعة، "كريم" عزيز نفيس، "ثم اجعل" مضارع المتكلم، وهو الله "السكينة" "بالفتح والتخفيف" الوقار والطمأنينة، وفيها لغة بالكسر والتشديد، حكاها في المشارق، وبها قرئ شذا "لباسه"، أي: ما يظهر عليه من الخشوع والتثبت، فشبه المعقول بالمحسوس تقريبًا للفهم، ومبدأ هذا الوقار يلوح للقلب في مراقبته، فلذا قال تعالى: {أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلوبِ الْمُؤْمِنِين} [الفتح: ٤] ، فلكل وجهة، "و" اجعل "البر" الطاعة والإحسان، أي: زيادته، والخير والرحمة "شعاره": لباسه الذي يلي جسده، سمي به؛ لأنه لابس شعره وبدنه، ويقابله الدثار، وهو ما يتغطى به، ولما كانت السكينة ظاهرة فيه صلى الله عليه وسلم في سائر أحواله، ويراها كل أحد، برًا وفارجًا، جعلها لباسًا، والبر والخير والرحمة، وإن لازمه أيضًا وعم أحواله إنما يقف عليه المؤمنون ببصائرهم، جعله شعارًا، فانظر حسن موقعه مع ما قبله وما بعده أيضًا، وهو "والتقوى ضميره"؛ لأن الضمير ما يضمر في القلب وينوي في الخاطر، بحيث لا ينسى، فتأمل كيف انتقل من الظاهر للخفي، ثم الأخفى مع ما فيه من شبه اللف والنشر مع الأمور السلبية والتقوى ما بقي العذاب في الآخرة، ولها مراتب: أولها التبري عن الكفر، والثاني: التنزه عن كل ما يؤثم، والثالث: التنزه عما يشغل السر عن الله، وبهذا علم التئامها مع الضمير "والحكمة" كل كلام جامع لما يرشد إلى الحق، فيشمل المواعظ والأمثال لانتفاع الناس بها، وتطلق على القرآن والعلوم الشرعية، والقضاء بالعدل، وبه فسر ادع إلى سبيل ربك بالحكمة، "معقوله" مصدرًا واسم مفعول، فالمراد إنها تعقله وإدراكه، أو ما يعقله، كان حكم ومواعظ وعلوم نافعة؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، "واجعل "الصدق والوفاء طبيعته" أي: إن الله جبله أنه لا ينطلق بغير ما وافق الواقع، وإذا عاقد أحدًا أو عدلًا يخلفه، "والعفو والمعروف" ما يعرفه ويألفه العقلاء.