للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي زبور داود عليه السلام، من مزمور أربعة وأربعين: فاضت النغمة من شفتيك، من أجل هذا باركك الله إلى الأبد، تقلد أيها الجبار سيفك، فإن شرائعك وسنتك مقرونة بهيبة يمينك، وسهامك مسنونة، وجميع الأمم يخرون تحتك.

فهذا المزمور ينوه بمحمد صلى الله عليه وسلم، فالنعمة التي فاضت من شفتيه هي القول الذي يقوله، وهو الكتاب الذي أنزل عليه والسنة التي سنها.

وفي قوله: "تقلد سيفك أيها الجبار" دلالة على أنه النبي العربي، إذ ليس يتقلد السيف أمة من الأمم إلا العرب، وكلهم يتقدلونها على عواتقهم.


وقد أخرجها البيهقي عن هشام بن العاصي الأموي، "وفي زبور داود عليه السلام من مزمور": مفرد مزامير، كمزمار "أربعة وأربعين" أي: المتمم لها، وهي ما كان يتغنى به من الزبور وضروب الدعاء، "فاضت النغمة من شفتيك، من أجل هذا باركك" أي: جعلك "الله" مباركًا، وفي ابن ظفر، عن الزبور مخاطبًا المصطفى لتنزيله منزلة الموجود، لتحققه عنده: فاضت الرحمة على شفتيك من أجل ذلك أبارك عليك "إلى الأبد تقلد" أمر "أيها الجبار" من أسمائه صلى الله عليه وسلم، لجبره الخلق على الحق وصرفهم عن الكفر، أو لإصلاحه أمته بالهداية والتعليم، أو لقهر أعدائه، أو لعلو منزلته على الخلق وعظيم خطره، ونفى تعالى عنه جبرية التكبر، فقال: وما أنت عليهم بجبار "سيفك" أي: اجعل حمائله على عاتقك، واجعله كالقلادة، وفيه إشارة إلى أنه سيؤمر بالجهاد، "فإن شرائعك": جمع شريعة "وسنتك".
كذا في النسخ، والذي قدمه المصنف في الأسماء، ومثله في الشفاء، وابن ظفر وابن دحية؛ فإن ناموسك وشرائعك، والمراد بالناموس الوحي النازل عليك، ويحتمل أن شرائع عطف تفسير، ولذا وحد الخبر في قوله: مقرونة بهيبة يمينك" أي: بالخوف من سيفك، فكنى عنه بذلك، أو تجوز باليمين عما فيه، "وسهامك مسنونة، وجمع الأمم يخرون تحتك"، باملعجمة من الخرور، وهو السقوط، أي: يخضعون ويذلون لك، "فهذا المزمور ينوه يرفع "بمحمد صلى الله عليه وسلم، فالنعة التي فاضت من شفتيه هي القول الذي يقوله، وهو الكتاب الذي أنزل عليه" أي: القرآن "والسنة التي سنها"، إذ لا ينطق عن الهوى.
"وفي قوله: تقلد سيفك أيها الجبار دلالة على أنه النبي العربي، إذ ليس يتقلد السيف أمة من الأمم إلا العرب، وكلهم يتقلدونها على عواتقهم" بخلاف غيرهم، فيجعلونها في أوساطهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>