للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.


فجرت على لسانها اتفاقًا؛ لأنها لم تنزل إلا بعد في قصة أبي جهل على المشهور.
"أبشر" بقطع الهمزة أمر أيد به الخبر، والمقصود منه، تعجيل المسرة بالبشرى، أي: إني مبشرة لك بخير أو بأنك رسول الله، "فو الله لا يخزيك الله أبدًا" بضم أوله وسكون المعجمة وكسر الزاي فتحتية ساكنة، أي: لا يفضحك. وللكشميهني: يحزنك، بفتح أوله وسكون الحاء وضم الزاي؛ كما اقتصر عليه الحافظ، زاد المصنف وغيره: أو بضم أوله مع كسر الزاي وبالنون، يقال: حزنه وأحزنه أوقعه في بلية.
"إنك" بكسر الهمزة لوقوعها في الابتداء، قال الدماميني: فصلت هذه الجملة عن الأولى؛ لكونها جوابًا عن سؤال اقتضته، وهو عن سبب خاص، فحسن التأكيد وذلك أنها لما أثبتت القول بانتفاء الخزي عنه وأقسمت عليه، انطوى ذلك على اعتقادها أن ذلك بسبب عظيم فيقدر السؤال عن خصوصه حتى كأنه قيل هل سبب ذلك الإنصاف بمكارم الأخلاق ومحاسن الأوصاف؛ كما بشر إليه كلامك؟ فقالت: إنك "لتصل الرحم" أي: القرابة بالإحسان إليهم على حسب حال الواصل والموصول إليه، فتارة بالمال والخدم وبالزيارة وبالسلام وغير ذلك، "وتصدق الحديث" فما كذب قط ولا اتهم به قبل النبوة؛ كما اعترف به أو سفيان عند هرقل وكان حينئذ عدوه وثبتت هذه الخصلة في التعبير والتفسير وسقطت في بدء الوحي، وهي من أشرف الخصال. "وتحمل الكل" بفتح الكاف وشد اللام من لا يستقل بأمره كما قال تعالى: {وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ} [النحل: ٧٦] ، أو الثقل بكسر المثلثة وسكون القاف.
وقال الداودي: الكل المنقطع ويدخل فيه الاتفاق على الضعيف واليتيم والعيال وغير ذلك من الكلال وهو الإعياء، زاد هنا في بدء الوحي؛ كمسلم وتكسب المعدوم بفتح التاء في الأشهر، وروي بضمها، أي: تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك، فحذف أحد المفعولين، يقال: كسبت الرجل مالا وأكسبته بمعنى، أو ما يعجز عنه غيرك تصيبه وتكسبه ثم تجود به في الوجود التي ذكرت، وعلى رواية ضم التاء، قال الخطابي: الصواب المعدم بلا واو، ورده الحافظ بأنه لا يمتنع أن يطلق على المعدم المعدوم لكونه كالميت الذي لا تصرف له، فكأنها قالت: إذا رغب غيرك أن يستفيد مالا موجودًا رغبت أنت أن تستفيد رجلا عاجزًا فتعاونه، "وتقري الضيف" بفتح الفوقية من غير همز ثلاثيًا، قال الأبي: وسمع بضمها رباعيًا، أي: تهيئ له طعامه وتنزله، قال المصنف في بدء الوحي، وفيه إفادة أن الرواية الأول ولذا اقتصر عليه في التعبير. "وتعين على نوائب الحق" جمع نائبة، أي: حوادثه، وهذه جامعة لإفراد ما سبق ولغيره وقيدت بالحق؛

<<  <  ج: ص:  >  >>