للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقسم الله تعالى بالكتاب وآلته هو القلم الذي هو إحد آياته وأول مخلوقاته الذي جرى به قدره وشرعه، وكتب به الوحي، وقيد به الدين، وأثبت به الشريعة، وحفظت به العلوم، وقامت به بمصالح العباد في المعاش والمعاد، وأقام به في الناس أبلغ خطيب وأفصحه وأنفعه لهم وأنصحه، وواعظًا تشفي مواعظه القلوب من السقم، وطبيبًا يبرئ بإذن باريه من أنواع الألم على تنزيه نبيه ورسوله محمد المحمود في كل أقواله، وأفعاله مما عمصته أعداؤه الكفرة به، وتكذيبهم له بقوله


ابن عباس؛ أن المراد به الدواة، فقد "أقسم تعالى بالكتاب" أي: بمجموع أمر الكتاب، كما مر عن ابن عطية، وهو الدواة "وآلته" أي: الكتاب بمعنى المكتوب "هو القلم" وأبعد من قال، أي: في قوله: {حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} [الزخرف: ١] ، وفي قوله: {يس، وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} ؛ لأن بقية السياق ترده، وأقواه قوله على تنزيه نبيه بقوله: ما أنت "الذي هو أحد آياته" هذا لا يظهر على قوله السابق بالدواة والقلم. إلخ.
نعم هو ظاهر على أنه الذي خط في اللوح، لكن قد علمت أن ابن عطية إنما فرعه عن أن ن اسم للحوت، وإن من قال: اسم للدواة جعل القلم هذا المتعارف، "وأول مخلوقاته" في أحد القولين، والأصح أن للعرش خلق قبله، كما مر، "الذي جرى به قدره وشرعه وكتب به الوحي"، أي: بالقلم لا بالمعنى السابق الذي كتب به الوحي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، ففيه استخدام، ويحتمل رجوعه إليه بالمعنى الأول على ضرب من المجاز، بأن يراد بالوحي الموحى، أي: كتب به الوحي، ويؤيد الاستخدام قوله، "وقيد به الدين" أي: حفظه بكتابة ما يدل عليه، "وأثبت به الشريعة، وحفظت به العلوم، وقامت به مصالح العباد في المعاش" والمعاد، فإن هذه كلها صفات للقلم الذي يخط به الناس، لا سيما قوله، "وأقام به في الناس أبلغ خطيب" بكتابة ما حصل للخطيب به الرفعة على غيره، واتصافه بقوله: "وأفصحه وأنفعه لهم، وأنصحه وواعظًا، تشفي مواعظه القلوب من السقم" وبالجملة فقد لفق المصنف بين القولين في القلم، "وطبيبًا يبرئ" بضم التحتية وبالهمز من أبرئ الله من المرض "بإذن باريه" أي: الذي يبري القلم للكتابة به، والياء أصلية أو منقلبة عن واو؛ لأن في المصباح بريت القلم بريًا من باب رمي، فهو مبري، وبروته لغة "من أنواع الألم" أي: المرض، وذكر صلة قوله: وأقسم "على تنزيه نبيه ورسوله محمد المحمود" الممدوح "في كل أقواله وأفعاله"، وهو من أسمائه صلى الله عليه وسلم "مما عمصته" "بفتح العين المعجمة وكسر الميم وفتحها وفتح الصاد مهملة ومعجمة": احتقرته وعابته "أعداؤه الكفرة".
وقال ابن حبيب في غريب الموطأ: الغمض، بضاد معجمة تصغير النعمة وتحقيرها،

<<  <  ج: ص:  >  >>