للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليتني أكون حيًا حين يخرجك قومك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو مخرجي هم"؟. فقال


وقال ابن بري: بفعل محذوف، والتقدير: يا ليتني جعلت، ورواه الأصيلي في البخاري وابن ماهان في مسلم بالرفع خبر ليت. قال ابن بري: المشهور عند أهل اللغة: والحديث جذع بسكون العين، قال السيوطي: هو رجز مشهور عندهم يقولون:
يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها واضع
"ليتني أكون حيًا حين يخرجك قومك" هكذا هو في التعبير بلفظ: حين، وفي بدء الوحي: إذ بدلها باستعمال إذا في المستقبل تنزيلا له منزلة الماضي؛ لتحقق وقوعه، كقوله: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ} [مريم: ٣٩] ، قال الحافظ: فيه دليل على جواز تمني المستحيل إذا كان في خير؛ لأن ورقة تمنى أن يعود شابًا وهو مستحيل عادة ويظهر لي أن التمني ليس على بابه بل المراد التنبيه على صحة ما أخبر به، والتنويه بقوة تصديقه فيما يجيء به، انتهى.
وقيل: هو تحسر لتحققه عدم عود الشباب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو" بفتح الواو "مخرجي" بشد الياء مفتوحة خبر مقدم لقوله "هم" جمع مخرج، قاله ابن مالك، وأصله مخرجون لي حذفت اللام تخفيفًا ونون الجمع للإضافة إلى ياء المتكلم، فصار: أو مخرجي اجتمعت الواو والياء وسبقت الواو بالسكون، فقلبت ياء، ثم أدغمت في ياء المتكلم وقلبت الضمة كسرة لمناسبة الياء والهمزة للاستفهام، ولم يقل: أو مخرجي مع أن الأصل أن يجاء بالهمزة بعد العاطف، نحو: فأين تذهبون لاختصاص الهمزة بتقديمها على العاطف تنبيهًا على أصالتها، نحو: أو لم يسيروا، هذا مذهب سيبويه والجمهور.
وقال الزمخشري وجماعة: الهمزة في محلها الأصلي والعطف على جملة مقدرة بينها وبين العاطف، والتقدير: أمعادي هم ومخرجي هم، وإذا دعت الحاجة لمثل هذا التقدير فلا يستنكر وعطفه مع أنه إنشاء على قول ورقة: حين يخرجك قومك، وهو خبر؛ لأن الأصح كما قال المصنف: جوازه عند النحويين وإنما منعه البيانيون، فاحتاجوا للتقدير المذكور فالتركيب سائغ عند الجميع. وأما كونه عطف جملة على جملة والمتكلم مختلف، فسائغ معروف في القرآن والكلام الفصيح: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [البقرة: ١٢٤] ، ثم الاستفهام إنكاري؛ لأنه استبعد صلى الله عليه وسلم إخراجه من الوطن لا سيما حرم الله وبلد أبيه إسماعيل من غير سبب يقتضيه، فإنه كان جامعًا لأنواع المحاسن المقتضية لإكرامه وإنزاله منهم منزلة الروح من الجسد ويؤخذ منه؛ كما قال السهيلي: إن مفارقة الوطن

<<  <  ج: ص:  >  >>