للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك أن الله تعالى يفتح عليه مكة وأهلها، وما فتحت على أحد قبله، فأحل ما شاء وحرم ما شاء، فقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة وغيره، وحرم دار أبي سفيان.

فإن قلت: هذه السورة مكية، {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} إخبار عن الحال، والواقعة التي ذكرت في آخر مدة هجرته إلى المدينة، فكيف الجمع بين الأمرين؟

أجيب: بأنه قد يكون اللفظ للحال، والمعنى مستقبل، كقوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: ٣٠] .


حل، أي: لست بآثم" بالمد؛ لأن حل له معان ضد الحرمة والإقامة بالمكان، والاسم منهما حل بالكسر، وحلال بمعنى جائز ومقيم، "وحلال لك أن تقتل بمكة من شئت، وذلك أن الله تعالى" وعده بأنه "يفتح عليه مكة وأهلها" أي: ويعطيه أهلها، "وما فتحت على أحد قبله، فأحل ما شاء وحرم ما شاء، فقتل" أي: أمر بقتل "ابن خطل" "بفتح المعجمة والمهملة" هلال، أو عبد الله، "وهو متعلق بأستار الكعبة، وقتل "غيره" كما تقدم في فتح مكة، "وحرم دار أبي سفيان" صخر بن حرب، أي: جعل لها حرمة؛ بأن أعطى الأمان من دخلها، بقوله: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن"، أو حرم قتل من دخلها، وعلى هذا، ففي الآية تسلية له صلى الله عليه وسلم، أي: إن أخرجوك منها، فستعود لها، وتفعل فيها ما تريد، وتثبيت ووعد بالنصر، والأول على أنه قسم، والثاني على انتفائه، أو كل منهما جار على التفسيرين.
وقيل: المعنى وأنت حلال، أي: غير محرم بها، إشارة إلى دخولها يوم الفتح حلالًا، فإن قلت: هذه السورة مكية" عند جمهور المفسرين، وبالغ النسفي، فحكي عليه الاتفاق، وينقضه قول ابن عطية.
وقال قول: هي مدنية {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} إخبار عن الحال، و" عن "الواقعة" "والجر عطفا"، ويحتمل الرفع، أي: الحال الواقعة "التي ذكرت في آخر مدة هجرته إلى المدينة، فكيف الجمع بين الأمرين" المتنافيين بحسب الظاهر.
"أجيب بأنه قد يكون اللفظ للحال، والمعنى" بالحال "مستقبل، كقوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} "، أي: ستموت ويموتون، فلا شماتة بالموت، فأطلق الحال، وأراد الاستقبال، لكن استشكل هذا؛ بأنه يلزمه اختلاف زمني الحال، وعاملها إلا أن يقال الجملة معترضة لا حالية، فتضمن وعدا فيه مبالغة، بتنزيل المستقبل المحقق منزلة الحال لا الماضي، كما يدل له قول عياض، أو حل لك ما فعلت فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>