"وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم" وأقره عليه: "بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد بلغ من فضيلتك عند الله أن أقسم بحياتك دون سائر الأنبياء" في قوله: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} ، وهذا إن صح دليل لقول الجمهور؛ أنه قسم بالمصطفى لا بلوط؛ لأن عمر قاله للنبي صلى الله عليه وسلم وأقره عليه، فهو نص في محل النزاع: "ولقد بلغ من فضيلتك عنده أن أقسم بتراب قدميك، فقا: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَد} ، ففيه إشارة إلى أن هذا القسم أدخل في تعظيمه من القسم بذاته وبحياته. قال عياض: في الشفاء: والمراد بالبلد عند هؤلاء مكة. وقال الواسطي: أي: يحلف بهذا البلد الذي شرفته الآية، بمكانك فيه حيًا وبركتك ميتًا، يعني المدينة، والأول أصح؛ لأن السورة مكية، وما بعده يصححه قوله: {حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَد} ، ونحوه قول ابن عطاء في تفسيره قوله: {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِين} . قال: أمنها الله لمقامه فيها وكونه بها، فإن كون أمان حيث كان. انتهى. لكن تعقبه الدلجي وغيره بأن القائل لا يسلم أن السورة مكية، والبلد عنده في الموضعين المدينة، والإشارة فيهما لها، وحل بمعنى حال مقيم، فكيف يقام عليه الدليل بما لا يسلمه. "وقال تعالى: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنْسَانَ} اسم جنس {لَفِي خُسْرٍ} [العصر: ١] ، نقصان وسوء حال، وذلك بين غاية البيان في الكافر؛ لأنه خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين، وأما المؤمن وإن كان في خسر في دنياه، في هرمه وما يقاسيه من شقاء هذا الدار، فذلك معفو عنه في جنب فلاحه في الآخرة، وربحه الذي لا يفنى، ومن كان في مدة عمره في التوصي بالحق والصبر، والعمل بحسب الوصاة، فلا خسر معه، وقد جمع له الخير كله، وقرأ علي: والعصر ونوائب الدهر إن الإنسان، وفي مصحف عبد الله: والعصر لقد خلقنا الإنسان،