للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحقيقة ما أطاع إلا الله, وذلك في الحقيقة لا يكون إلا بتوفيق الله. {مَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} فإن من أعماه الله عن الرشد وأضله عن الطريق فإن أحدًا من خلق لا يقدر على إرشاده.

وهذه الآية من أقوى الأدلة على أن الرسول معصوم في جميع الأوامر والنواهي، وفي كل ما يبلغه عن الله؛ لأنه لو أخطأ في شيء منها لم تكن طاعته طاعة لله، وأيضًا وجب أن يكون معصومًا في جميع أحواله؛ لأنه تعالى أمر بمتابعته في قوله: {وَاتَّبِعُوه} [الأعراف: ١٥٨] . والمتابعة عبارة عن الإتيان بمثل فعل الغير، فثبت أن الانقياد له في جميع أقواله وأفعاله إلا ما خصه الدليل طاعة له, وانقياد لحكم الله تعالى.


المضمر للإشعار بعلية إيحاب الطاعة له، ويدل عليه السياق، وهو قوله: {وَمَنْ تَوَلَّى} وكان مقتضى الظاهر، ومن تولى فقد عصى الله في مقابلة قوله: فقد أطاع الله، فوضع ذلك موضعه، ليدل على المبالغة، "وذلك" المذكور من الطاعة "في الحقيقة لا يكون إلا بتوفيق الله"، إذ لو أخذ له ما أطاع رسوله، {وَمَنْ تَوَلَّى} أعرض عن طاعته فلا يهمنك {فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: ٨٠] الآية، حافظًا لأعمالهم، بل نذيرًا وإلينا أمرهم فنجازيهم، وهذا، قبل الأمر بالقتال، كما في الجلال فشار إلى أن جواب الشرط محذوف، والمذكور دليل عليه، وهذا أحد وجهين، الثاني: إنه المذكور باعتبار ما دل عليه، "فإن من أعماه الله عن الرشد وأضله عن الطريق" المستقيم، "فإن أحدًا من خلق الله لا يقدر على إرشاده"، جواب الشرط، وجملة الشرط وجوابه علة لكونه ما جعل عليهم حفيظًا في أعمالهم، بحيث يلجئهم للطاعة، ويمنعهم عن العصيان، وأشار إلى تحقق ذلك وعدم احتمال خلافه، بالتأكيد بأن، "وهذه الآية من أقوى الأدلة على أن الرسول معصوم في جميع الأوامر والنواهي وفي كل ما يبلغه عن الله؛ لأنه لو أخطأ في شيء منها" وأقر عليه، فأمر به أو نهى عنه، ولم يكن كذلك في نفس الأمر، "لم تكن طاعته طاعة لله" بل مخالف لأمره أو نهيه "وأيضًا وجب أن يكون معصومًا في جميع أحواله؛ لأنه تعالى أمر بمتابعته" الأنسب أن يقول باتباعه ليطابق دليله "في قوله: {وَاتَّبِعُوه} لكنه أشار إلى أن المفاعلة قد ترد لأصل الفعل، فقال: "والمتابعة عبارة عن الإتيان بمثل فعل الغير" ومنه المتابعة في علوم الحديث، "فثبت أن الانقياد له في جميع أقواله وأفعاله" وجودًا أو عدمًا، "إلا ما خصه الدليل" به "طاعة له" بالآية منطوقا ومفهومًا؛ لأن مفهوم من يطع الرسول، من عصاه فقد عصى الله، "وانقياد لحكم الله تعالى" عطف تفسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>