للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العذر، فالمعية والصحبة الحقيقية إنما هي بالسر والروح لا بمجرد البدن، فهي بالقلب لا بالقالب، ولهذا كان النجاشي معه صلى الله عليه وسلم وهو أقرب الناس إليه، وهو بين النصارى بأرض الحبشة، وعبد الله بن أبي من أبعد الخلق عنه، وهو معه بالمسجد، وذلك أن العبد إذا أراد بقلبه أمرًا من طاعة أو معصية أو شخص من الأشخاص فهو بإرادته ومحبته معه لا يفارقه، فالأرواح تكون يوم القيامة مع الرسول صلى الله عليه سولم وأصحابه رضي الله عنهم، وبينها وبينهم من المسافة الزمانية والمكانية بعد عظيم.

وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: ٣١] .

وهذه الآية الشريفة تسمى: آية المحبة، قال بعض السلف: ادعى قوم محبة


"حبسهم العذر" عن الغزو معكم، "فالمعية والصحبة الحقيقية إنما هو بالسر والروح" وفي شرحه للبخاري بالسير بالروح، "لا بمجرد البدن، فهي بالقلب لا بالقالب"، ونية المؤمن خير من عمله، فتأمل هؤلاء كيف بلغت بهم نيتهم مبلغ أولئك العاملين بأبدانهم، وهو على فرشهم في بيوتهم، فالمسابقة إلى الله تعالى وإلى الدرجات العوالي بالنيات والهمم، لا بمجرد الأعمال، "ولهذا كان النجاشي" "بفتح النون والجيم" أصحمة ملك الحبشة "معه صلى الله عليه وسلم، وهو من أقرب الناس إليه، وهو" أي: النجاشي "بين النصارى بأرض الحبشة وعبد الله بن أبي" ابن سلول رأس المنافقين، "من أبعد الخلق عنه، وهو معه بالمسجد" النبوي، لكونه معه قالبًا لا قلبًا، "وذلك أن العبد إذا أراد بقلبه أمرًا من طاعة أو معصية، أو" أراد أمرًا من "شخص من الأشخاص، فهو بإرادته ومحبته معه لا يفارقه" إذ كل مهتم بشيء منجذب إليه بطبعه شاء أو أبى، وكل امرئ يصبوا إلى مناسبة، رضا أم سخط، فالنفوس العلية تنجذب بذاتها وهمها وعملها إلى أعلى، والنفوس الدنية تنجذب بذاتها إلى أسفل، ومن أراد أن يعلم هل هو مع الرفيق الأعلى أو الأسفل، فلينظر أين هو، ومع من هو في هذا العالم، "فإن الروح إذا فارقت البدن تكون مع الرفيق الذي كانت تنجذب إليه، "فالأرواح" العلية كلها "تكون يوم القيامة"، وفي الدنيا "مع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وبينها وبينهم من المسافة الزمانية" بتأخر وجودها عن وجودهم، "والمكانية" بطول المسافة "بعد عظيم" في الزمان والمكان، ولا يكون ذلك مانعًا من المعية في الدارين، والله أعلم.
"وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} ، أي: يثبكم " {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} " [آل عمران: ٣١] ، "وهذه الآية الشريفة تسمى آية المحبة".

<<  <  ج: ص:  >  >>