قال الطيبي: فسر المتكلمون محبة العبد لله؛ بأنها محبة طاعته أو ثوابه وإحسانه، وأما العارفون، فقالوا: العبد يحب الله لذاته، وأما حب طاعته وثوابه فدرجة نازلة، والقول الأول ضعيف، وذلك لا يمكن أن يقال في كل شيء، أنه إنما محبوبًا لأجل معنى آخر، فلا بد من الانتهاء إلى شيء يكون محبوبًا لذاته، فكما يعلم أن اللذة محبوبة لذاتها، كذلك يعلم أن الكمال محبوب لذاته، وأكمل الكمالات لله تعالى، فيقتضي كونه محبوبًا لذاته من ذاته. قال صاحب الفرائد: وهذا أبلغ أنواع الحب، فعى هذا حب العبد لله حقيقة، بل المحبة الحقيقية مستحقة لله، إذ كل ما يحب من المخلوقات، فإنما يحب لخصوص أثر من آثار وجوده، وفي الأحياء الحب ميل الطبع إلى الشيء المستلذ، فإن قوي سمى عشقًا، ولا يظن قصره على مدركات الحواس الخمس، حتى يقال: إن الله تعالى لا يدرك بها ولا يتمثل في الخيال، فلا يحب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم سمي الصلاة قرة عين، وجعلها أبلغ المحبوبات، ومعلوم أنه ليس للحواس الخمس فيها حظ، والبصيرة الباطجنة أقوى من البصر الظاهر، والقلب أشد إدراكًا من العين، وجمال المعاني المدركة بالعقل أعظم من جمال الصور الظاهرة للأبصار، فيكون لا محالة لذة القلب بما يدركه من الأمور الشريفة الإلهية، التي تجل عن أن تدركها لحواس أتم وأبلغ، فيكون ميل الطبع السليم والعقل الصحيح إليه أقوى، ولا معنى للحب إلا الميل إلا ما في إدراكه لذة، فلا ينكر إذن حب الله إلا من قعد به القصور في درجة البهائم. انتهى. وأما محبة الله للمتبعين، فهي رضاه عنهم، وإثباتهم، وكشف الحجب عن قلوبهم، والتجاوز عما فرط منهم، كما أشار إليه بقوله: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم} الآية، وعبر عن ذلك بالمحبة استعارة أو مشاكلة لاستحالة المعنى الحقيقي عليه، "ومتى كان عنده شيء أحب إليه منهما، فهذا هو الشرك الذي لا يغفر لصاحبه البتة، ولا يهديه الله" واستدل على هذا، بقوله: