روى مالك والشيخان من طريقه، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد؛ أنه صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف وحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر، فقال: أتصلي للناس؟، فأقيم، قال: نعم، فصلى أبو بكر، فجاء رسول الله والناس في الصلاة، فتخلص حتى وقف في الصف، فصفق الناس، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس من التصفيق، التفت أبو بكر فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه أن أمكث مكانك فرفع أبو بكر يديه وحمد الله على ما أمر به صلى الله عليه وسلم من ذلك ثم استأخر حتى استوى في الصف، وتقدم صلى الله عليه وسلم، فصلى بالناس، ثم انصرف، فقال: يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك، "فقال": أبو بكر "ما كان لابن أبي قحافة" "بضم القاف وخفة الحاء المهملة" عثمان بن عامر أسلم في الفتح، ومات سنة أربع عشرة في خلافة عمرو، عبر بذلك دون أن يقول: ما كان لي أو لأبي بكر تحقيرًا لنفسه "أن يتقدم". وفي رواية: أن يصلي "بين يدي رسول الله"، وفي رواية: أن يؤم النبي "صلى الله عليه وسلم"، ففيه إن من أكرم بكرامة، تخير بين القبول والترك إذا فهم أن الأمر ليس على اللزوم، وكان القرينة التي بينت ذلك لأبي بكر أنه صلى الله عليه وسلم شق الصفوف حتى انتهى إليه، ففهم أن مراده أن يؤم الناس، وأن أمره إياه بالاستمرار في الإمامة من باب الإكرام والتنويه بقدره، فسلك هو طريق الأدب، ولذا لم يرد صلى الله عليه وسلم اعتذاره "كيف أورثه مقامه والإمامة" الخلافة "بعده، فكان" بمعنى صار "ذلك التأخر إلى خلفه، والحال أنه "قد أومأ" أشار "إليه أن أثبت مكانك".