للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن بعضهم مال إلى أضعف الوجين مما كان الأصلح غيره من الإثخان والقتل فعوتبوا على ذلك وبين لهم ضعف اختيارهم وتصويب اختيار غيرهم، فكلهم غير عصاة ولا مذنبين.

وقال القاضي بكر بن العلاء: أخبر الله تعالى نبيه في هذه الآية أن تأويله وافق ما كتب له من إحلال الغنائم والفداء، وقد كان قبل هذا فادي في سرية عبد الله بن جحش التي قتل فيها ابن الحضرمي بالحكم بن كيسان وصاحبه، فما


ولا معصية "لكن بعضهم مال إلى أضعف الوجهين" وهو الفداء باجتهاده، وهو جائز بحضرته عليه الصلاة والسلام "مما كان، الأصلح" للإسلام "غيره من الأثخان والقتل" الذي هو أعز الوجهين بيان لغيره "فعوتبوا على ذلك" أي: اختيار غير الاصلح "وبين لهم ضعف اختيارهم وتصويب اختيار غيرهم" وهو عمر، "فكلهم غير عصاة ولا مذنبين" لأن كلا منهم اختار ما أدى إليه اجتهاده ظانًا أن الخير فيه.
قال عياض: وإلى نحو هذا أشار الطبري، وقوله صلى الله عليه وسلم: لو نزل عذاب من السماء ما نجا منه إلا عمر، غشارة إلى أن هذا من تصويب رأيه، ورأى من أخذ بمأخذه في إعزاز الدين وإظهار كلمته وإبادة عدوه، وأن هذه القصة لو استوجبت عذابًا لنجا عمر، وعينه، لأنه أول من أشار، بقتلهم ولكن الله لم يقدر عليهم ذلك لحله لهم فيما سبق.
وقال الداودي: الخبر بهذا لم يثبت، ولو ثبت لما جاز أن يظن أنه صلى الله عليه وسلم يحكم بما لا نص فيه ولا دليل من نص، ولا جعل الأمر فيه إليه، وقد نزهه الله عن ذلك، هكذا في الشفاء قبل قوله: "وقال القاضي بكر" بن محمد "بن العلاء" بن محمد البصري، ثم المصري، أحد كبار المالكية والمحدثين، له تصانيف جليلة، تقدمت ترجمته، "أخبر الله تعالى نبيه في هذه الأية أن تأويله وافق ما كتب له من إحلال الغنائم والفداء"، وكيف لا يكون الفداء حلالهم قبل ذلك، "وقد كان صلى الله عليه وسلم قبل هذا"، أي: غزوة بدر "فأدى في سرية عبد الله بن جحش" الأسدي، ابن عمته عليه الصلاة والسلام أميمة، أحد السابقين الأولين، استشهد بأحد "التي قتل فيها" عمرو "بن الحضرمي" بسهم رماه به واقد بن عبد الله، وذلك أنه عليه الصلاة والسلام بعث عبد الله في سرية يعترض عبر قريش، فنزلوا بطن نخلة، وقتل ابن الحضرمي، وأسر الحكم وعثمان بن عبد الله "بالحكم بن كيسان" متعلق بفادي لا بقتل، وكان الأولى حذف الباء، وأسره المقداد بن الأسود، فأراد ابن جحش قتله، فقال المقداد: دعه، تقدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم وحسن إسلامه، واستشهد ببئر معونة، "وصاحبه" عثمان بن عبد الله ذهب حين فدى إلى مكة، فمات بها كافرًا، "فما عتب الله ذلك عليهم"، فلو كان ممنوعًا لعتب" "وذلك قبل بدر

<<  <  ج: ص:  >  >>