للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لتحنثه وهو يبصر بيت ربه، والنظر إلى البيت عبادة، فكان له فيه اجتماع ثلاث عبادات: الخلوة والتحنث والنظر إلى البيت. وغيره ليس فيه هذه الثلاث.

ولله در المرجاني حيث قال في فضائل حراء وما اختص به:

تأمل حراء في جمال محياه ... فكم من أناس من حلا حسنه تاهوا

فمما حوى من جا لعلياه زائرا ... ..............................


مرور الناس عليه فيتمكن من عدم مخالطتهم، فيتخلى للعبادة صالح "لتحنثه" فهو متعلق بمحذوف أو بمجموع على أنه نعت سببي، أي: مجموع حواس من يختلى به، "وهو يبصر" فيه "بيت ربه" الكعبة "والنظر إلى البيت عبادة" كما في الخبر: "إن الله ينزل عليه عشرين رحمة" "فكان له فيه اجتماع ثلاث عبادات: الخلوة" هي أن يخلو عن غيره بل وعن نفسه بربه، وعند ذلك يكون خليقًا بأن يكون قالبه ممر الواردات من علوم الغيب وقلبه مقرًا لها، قاله المصنف.
"والتحنث والنظر إلى البيت، وغيره ليس فيه هذه الثلاث" وناهيك بالخلوة من عبادة؛ لأنها فراغ القلب والانقطاع عن الخلق والراحة من أشغال الدنيا والتفرغ لله فيجد الوحي فيه متمكنًا؛ كما قيل:
وصادف قلبًا خاليًا فتمكنا ... ولذا حببت للمصطفى
ثم هذا الجواب أولى من قول المصنف في شرح البخاري، إنما كان يخلو بحراء دون غيره؛ لأن جده عبد المطلب أول من كان يخلو فيه من قريش وكانوا يعظمونه لجلالته وسنه، فتبعه على ذلك فكان يخلو بمكان جده وكان الزمن الذي يخلو فيه شهر رمضان فإن قريشًا كانت تعظمه، كما كانت تصوم شهر عاشوراء، انتهى.
"ولله در المرجاني" عبد الله بن محمد القرشي الإمام القدوة الواعظ المفسر أحد الأعلام في الفقه والتصوف، قدم مصر ووعظ بها واشتهر في البلاد وامتحن وأفتى العلماء بتكفيره ولم يؤثروا فيه، فعملوا عليه الحيلة فقتل بتونس سنة تسع وستمائة، ذكره في اللواقح "حيث قال في فضائل حراء وما اختص به" أبياتًا، هي: "تأمل حراء" بالمد على اللغة الفصحى فيه، ولا يقصر هنا للوزن، "في جمال محياه" هو الوجه، "فكم من أناس من حلا" بضم الحاء، "حسنه تاهوا" بإشباع الهاء للروي.
"فمما حوى" الظاهر: أنه مبتدأ بمعنى بعض على حد ما قيل في نحو قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة: ٨] ، وما موصول وصلته جملة حوى والعائد محذوف، أي: فبعض الذي حواه، "من" فاعل حوى "جا" صلته "لعلياه" متعلق به "زائرًا" حال من الفاعل للتبرك

<<  <  ج: ص:  >  >>