للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار"، فعلق ذوق الإيمان بالرضا بالله ربًَّا، وعلق وجدان حلاوته بما هو موقوف عليه، ولا يتم إلا به، وهوكونه سبحانه أحب الأشياء إلى


بالنصب خبر يكون "إليه مما سواهما" ولم يثن أحب ليطابق خبر كان اسمها؛ لأن أفعل التفضيل إذا وصل بمن، فهو مفرد مذكر دائمًا، ولا تجوز المطابقة لمن هوله "وأن يحب المرء" حال كونه "لا يحبه إلا الله تعالى"، وللنسائي من رواية طلق بن حبيب عن أنس، وأن يحب في الله ويبغض في الله.
قال يحيى بن معاذ: حقيقة الحب في الله أن لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء، نقله الحافظ "وأن يكره أن يعود" أي: العود "في الكفر كما يكره أن يقذف" "بضم أوله وفتح ثالثه، أي: مثل كراهة القذف "في النار".
زاد البخاري من وجه آخر بعد أن أنقذه الله منه، قال الحافظ: والإنقاذ أعم من أن يكون بالعصمة منه ابتداء، بأن يولد على الإسلام ويستمر، أو بالإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، وعلى الأول، فيحمل قوله يعود على معنى الصيرورة، بخلاف الثاني، فالعود فيه على ظاهره.
وفي رواية قتادة، عن أنس، عند مسلم والبخاري في الأدب: وحتى أن يقذف في النار أحب إليه ن أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه، وهي أبلغ من هذه الرواية؛ لأنه سوى فيها بين الأمرين، وهنا جعل الوقوع في نار الدنيا أولى من الكفر الذي أنقذه الله بالخروج منه من نار الأخرى، فإن قيل لِمَ عدي العود بقي ولم يعده بالي، فالجواب أنه ضمنه معنى الاستقرار، كأنه قال: يستقر فيه، ومثله قوله تعالى: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا} [الأعراف: ٨٩] انتهى.
وزعم العيني أنه تعسف، وإنما "في" هنا بمعنى "إلى" كقوله تعالى: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [الأعراف: ٨٨] ، أي: لتصيرن إلى ملتنا، ومنعه شيخنا في قراءة البخاري بأنه لا تعسف، فكل من الطريقين مسلوك، وذلك لأن الفعل إذا عدي بحرف لا يتعدى به، جاز تأويل الفعل بما يتعدى به، كتأويل يؤمنون بالغيب بيعترفون، وتأويل الحرف مع بقاء الفعل على حقيقته، كالمثال الذي ذكره، بل قال بعضهم: التأويل في الفعل أولى "فعلق ذوق الإيمان بالرضا بالله ربا"، بقوله صلى الله عليه وسلم: "ذاق طعم الإيمان من رضى بالله ربا"، الحديث الآتي قريبًا، وطعم الإيمان، بمعنى حلاوة الإيمان؛ لأن الثلاثة لا توجد إلا ممن صح إيمانه وانشرح صدره، قال عياض، "وعلق" في هذا الحديث "وجدان حلاوته بما هو موقوف عليه، ولا يتم إلا به، وهو كونه سبحانه أحب الأشياء

<<  <  ج: ص:  >  >>