للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محبته التي قد اجتمعت قوى محبته كلها له، ولا ريب أن هذا المحب إن سمع سمع بمحبوبه وإن أبصر أبصر بمحبوبه، وإن مشى مشى به، فهو في قلبه ونفسه، وأنيسه وصاحبه.

والباء -هنا- باء المصاحبة، وهي مصاحبة لا نظير لها، ولا تدرك بمجرد الأخبار عنها والعلم بها، فالمسألة حالية لا علمية محضة.

قال: ولما حصلت الموافقة من العبد لربه في محابه، حصلت موافقة الرب لعبده في حوائجه ومطالبه فقال: "ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه" أي


وتخييلية، شبه القلب بالبعير الممنوع من استرساله مع هواه استعارة بالكناية، وإثبات الزمام له تخييل، "مستوليًا على روحه استيلاء المحبوب على محبه، الصادق في محبته، التي قد اجتمعت قوى محبته كلها له"، فسمع محبه وبصره وغيرهما. من بقية المعاني صارت حافظة للمحب مانعة من لحوق ضرر به مقوية له على مطلوبه من زيادة القرب ودوامه، فكأنها مختصة به، لا تتجاوزه إلى غيره، "ولا ريب"، شك "أن هذا المحب إن سمع سمع بمحبوبه، وإن أبصر أبصر بمحبوبه، وإن مشى مشى به، فهو في قلبه ونفسه وأنيسه وصاحبه"، ويقرب من هذا جواب العارف والأستاذ علي بن وفي؛ بأن معنى كنت سمعه ... إلخ أن ذلك الكون الشهودي مرتب على ذلك الشرط، الذي هو حصول المحبة، فمن حيث الترتب الشهودي جاز الحدوث، المشار إليه بقوله: كنت سمعه، لا من حيث التقدير الوجودي، وقال في الفتوحات لابن العربي: المراد به انكشاف أمر لمن تقرب إليه تعالى بالنوافل، لا أنه لم يكن الحق تعالى سمعه قبل التقرب، ثم كان تعالى عن ذلك وعن العوارض الطارئة، وهذه من غرر المسائل الإلهية، نقلهما في اليواقيت والجواهر، "والباء هنا" في قوله: فبي يسمع ... إلخ "باء المصاحبة، وهي مصاحبة لا نظير لها"؛ لأن الأصل في الصحبة إطلاقها على من حصل له رؤية ومجالسة، ووراء ذلك شروط للأصوليين، وتطلق مجازًا على من تمذهب بمذهب إمام، كأصحاب الشافعي، ولا يصح حملها هنا على شيء من ذلك، "ولا تدرك بمجرد الإخبار عنها والعلم بها"؛ لأنها لا نظير لها، تصور به في الخارج، فإنما يدركها من قامت به، كالملاحة تدرك ولا توصف، بعبارة تحصل حقيقتها وصورتها للمخاطب، "فالمسألة: حالية" أي: حال من أحوال النفس، يدركها من قامت به "لا علمية محضة" أي: ليست متعلقًا للعلم، بحيث يصورها بما يميزها من غيرها خارجا.
"قال" ابن القيم: "ولما حصلت الموافقة من العبد لربه في محابه" جمع حب، كمحاسن جمع حسن على غير قياس، "حصلت موافقة الرب لعبده في حوائجه ومطالبه،

<<  <  ج: ص:  >  >>