للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما وافقني في مرادي بامتثال أوامري، والتقرب إلي بمحابي، فأنا أوافقه في رغبته ورهبته فيما سألني أن أفعله به، وفيما يستعيذني أن يناله. وقوي أمر هذه الموافقة من الجانبين حتى اقتضى تردد الرب سبحانه وتعالى في إماتة عبده لأنه يكره الموت، والرب تعالى يكره ما يكره عبده، ويكره مساءته فمن هذه الجهة يقتضي أن لا يميته ولكن مصلحته في إماتته، فإنه ما أماته إلا ليحييه، ولا أمرضه إلا ليصحه، ولا أفقره إلا ليغنيه، ولا منعه إلا ليعطيه، ولم يخرجه من الجنة في صلب أبيه آدم إلا ليعيده إليها على أحسن أحواله، فهذا هو الحبيب على الحقيقة لا


فقال: "ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه"، أي: كما وافقني في مرادي، بامتثال أوامري والتقرب إلي بمحابي، فأنا أوافقه في رغبته" فيما عندي، "ورهبته": خوفه مني "فيما سألني أن أفعله به" عائد لرغبته"، "وفيما يستعيذني أن يناله"، عائد لرهبته، ففي وعده المحقق، المؤكد بالقسم
إيذان بأن من تقرب إليه بما مر لا يرد دعاءه وأن الكمل يطلب منهم الدعاء.
وقال الشيخ أكمل الدين في شرح المشارق، أقوى ما قاله الشراح بحسب الظاهر في هذا الحديث: كنت سمعه، فلا يسمع ما لم يأذن الشرع بسماعه، ولا يبصر ما لم يأذن في النظر إليه، ولا يبطش إلا ما أذن ببطشه، ولا يسعى إلا فيما أذن بالسعي إليه، وبحسب الباطن: لا يزال العبد يتقرب إلى الله بأنواع الطاعات وأصناف الرياضات، ويترقى من مقام إلى أعلى منه حتى يحبه الله، فيجعل سلطان حبه غالبًا عليه حتى يسلب منه الاهتمام بكل شيء غير تقربه إليه، فيصير منخلعًا عن الشهوات، ذاهلًا عن اللذات، مستغرقًا بملاحظة جناب قدسه، بحيث ما لاحظ شيئًا إلا لاحظ ربه، ولا التفت إلى شيء إلا رأى ربه، وهذا آخر درجات السالكين، وأول درجات الواصلين، فيكون بهذا الاعتبار سمعه وبصره، وهذا نفس محجوب، والذائق يقول: العبد يتقرب إلى الله بالنوافل حتى يكون الرب، صفات عبده المذكورة لتحصل له المناسبة الصفتية بين المحب والمحبوب، فإنها لا بد منها ولذا جعل السبب فيه أداء النوافل، فإن الله فاعل مختار، ليس عليه إيجاب لأحد النوافل ليست بإيجاب، فكان ذلك مناسبة أخرى بين المحب والمحبوب، وهذا يسمى قرب النوافل، وثمة قرب الفرائض، وهو أعظم من قرب النوافل، انتهى.
"وقوي أمر هذه الموافقة من الجانبين حتى اقتضى تردد الرب سبحانه وتعالى في إماتة عبده؛ لأنه يكره الموت، والرب تعالى يكره ما يكره عبده، ويكره مساءته فمن هذه الجهة يقتضي أن لا يميته، ولكن مصلحته في إماتته"، فتفصل بفعل المصلحة، "فإنه ما أماته إلا ليحييه" الحياة الأبدية، "ولا أمرضه إلا ليصحه" "بضم التحتية وكسر الصاد"، أي: يزيل

<<  <  ج: ص:  >  >>