للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لطمه عين ملك الموت، وتردده إليه مرة بعد أخرى.

قال: وحقيقة المعنى -على الوجهين- عطف الله على العبد، ولطفه به، وشفقته عليه.

وقال الكلاباذي ما حاصله: إنه غير عن صفة الفعل بصفة الذات، يعني باعتبار متعلقها، أي عن الترديد بالتردد، وجعل متعلق الترديد اختلاف أحوال العبد من ضعف ونصب إلى أن تنتقل محبته في الحياة إلى محبة للموت، فيقبض على ذلك.

قال: وقد يحدث الله تعالى في قلب عبده من الرغبة فيما عنده والشوق


قبض نفس عبدي المؤمن"، فأطلق التردد، وأراد لازمه، وهو الترديد، وأضاف تعالى ذلك لنفسه؛ لأن ترددهم عن أمره "كما في قصة موسى عليه السلام" في الصحيحين، عن أبي هريرة، مرفوعًا في أحاديث الأنبياء: "أرسل ملك الموت إلى موسى، فلما جاءه صكه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فرد الله عليه عينه، وقال: ارجع، فقل له يضع يده على متن ثور، فله بكل ما غطت يده بكل شعرة سنة، قال: ثم ماذا؟، قال: الموت، قال: فالآن" الحديث "وما كان من لطمه عين ملك الموت" ففقأها، كما في رواية مسلم؛ وكأن موسى ظنه آدميًّا، تسور عليه منزله بغير إذنه، ليوقع به مكروهًا، ويحتمل أنه علم أنه ملك الموت، ودافعه عن نفسه باللطمة المذكورة، والأول أولى، ويؤيده أنه جاء إلى قبضه، ولم يخيره، وقد علم موسى أنه لا يقبض حتى يخير، ولهذا لما خيره، قال: الآن. وعند أحمد، كان ملك الموت يأتي الناس عيانًا. "وتردده إليه مرة بعد أخرى" أي: ثانية بعد الأولى.
"قال" الخطابي: "وحقيقة المعنى على الوجهين عطف الله على العبد، ولطفه به، وشفقته عليه" ألفاظ متقاربة "وقال الكلاباذي": "بفتح الكاف والموحدة فألف فذال معجمة" نسبة إلى كلاباذ محلة كبيرة ببخارى، الحافظ، الإمام أبو نصر أحمد بن محمد بن السين بن الحسن بن علي بن رستم البخاري، سمع الهيثم بن كليب الشاشي ومعه جعفر المستغفري.
قال الحاكم: كان من الحفاظ حسن المعرفة والفهم، متقنًا، ثبتًا، لم يخلف مثله بما وراء النهر، وحدث ببغداد في حياة الدارقطني، وكان يثني عليه، ومات في جمادى الآخرة، سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، عن خمس وثمانين سنة، "ما حاصله أنه عبر عن صفة الفعل بصفة الذات، يعني باعتبار متعلقها، أي: عن الترديد، بالتردد وجعل متعلق الترديد اختلاف أحوال العبد من ضعف ونصب" "بفتحتين وبضمتين وبضمة" أي: داء وبلاء "إلى أن تنتقل محبته في الحياة إلى محبته للموت فيقبض على ذلك" فسماه ترددًا مجازًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>