للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه والمحبة للقائه ما يشتاق معه إلى الموت، فضلًا عن إزالة الكراهة عنه، انتهى.

وبالجملة: فلا حياة للقلب إلا بمحبة الله ومحبة رسوله، ولا عيش إلا عيش المحبين الذين قرت أعينهم بحبيبهم وسكنت نفوسهم إليه واطمأنت قلوبهم به، واستأنسوا بقربه وتنعموا بمحبته، ففي القلب طاقة لا يسدها إلا محبة الله ورسوله ومن لم يظفر بذلك فحياته كلها هموم وغموم وآلام وحسرات.

قال صاحب المدارج: ولن يصل العبد إلى هذه المنزلة العلية والمرتبة السنية حتى يعرف الله تعالى ويهتدي إليه بطريق توصله إليه، ويحرق ظلمات الطبع بأشعة البصيرة، فيقوم بقلبه شاهد من شواهد الآخرة، فينجذب إليها بكليته، ويزهد في


"قال: وقد يحدث الله في قلب عبده من الرغبة فيما عنده، والشوق إليه، والمحبة للقائه ما يشتاق معه إلى الموت فضلًا عن إزالة الكراهة عنه انتهى".
وقال الجنيد: الكراهة هنا لما يلقى المؤمن من الموت وصعوبته، وليس المعنى أني أكره له الموت؛ لأن الموت يورده إلى رحمه الله ومعرفته.
وقال غيره: لما كانت مفارقة الروح للجسد لا تحصل إلا بألم عظيم جدًّا، والله تعالى يكره أذى المؤمن، أطلق على ذلك الكراهة ويحتمل أن تكون المساءة بالنسبة إلى طول الحياة؛ لأنها تؤدي إلى أرذل العمر وتنكيس الخلق والرد إلى أسفل سافلين، وفي ذلك دلالة على شرف الأولياء ورفعة منزلتهم حتى لو تأتى أنه تعالى لا يذيقه الموت الذي حتمه على عبادة لفعل، ولهذا المعنى ورد لفظ التردد، كما أن العبد إذا كان له أر لا بد له أن يفعله بحبيبه، لكنه يؤلمه فإن نظر إلى ألمه كف عن الفعل، وإن نظر إلى أنه لا بد له منه لمنفعته، أقدم عليه، فعبر عن هذه الحالة في قلبه بالتردد، فخاطب الله الخلق بذلك على حسب ما يعرفونه ودلهم على شرف الولي عنده، "وبالجملة فلا حياة" لذيذة محمودة "للقلب إلا بمحبة الله ومحبة رسوله، ولا عيش" محمود "إلا عيش المحبين، الذين قرت أعينهم بحبيبهم، وسكنت نفوسهم إليه، واطمأنت قلوبهم به، واستأنسوا بقربه وتنعموا بمحبته، ففي القلب طاقة"، أي: اشتياق وتلهف واحتراق على عدم وصوله إلى مطلوبه، شبه ذلك بطاقة مفتوحة يدخل منها ما يؤلم المحب في جسده، وأنه "لا يسدها" أي: يمنع عنه ذلك الاحتراق والتلهف "إلا محبة الله ورسوله، ومن لم يظفر بذلك، فحياته كلها هموم وغموم، وآلام وحسرات"، فهي حياة كلا حياة.
"قال صاحب المدارج" ابن القيم: "ولن يصل العبد إلى هذه المنزلة": المرتبة "العلية والمرتبة السنية"، مساوٍ حسنة اختلاف اللفظ، "حتى يعرف الله تعالى، ويهتدي إليه بطريق توصله إليه"، وهي اتباع الكتاب والسنة، "ويحرق ظلمات الطبع بأشعة"، أي: أنوار "البصيرة"

<<  <  ج: ص:  >  >>