للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعلقات الفانية، ويدأب في تصحيح التوبة، والقيام بالمأمورات الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات الظاهرة والباطنة، ثم يقوم حارسًا على قلبه فلا يسامحه بخطرة يكرهها الله، ولا بخطرة فضول لا تنفعه، فيصفو لذلك قلبه بذكر ربه ومحبته والإنابة إليه، ويخرج من بين بيوت طبعه ونفسه، إلى فضاء الخلوة بربه وذكره ربه كما قال.

وأخرج من بين البيوت لعلني ... أحدث عنك النفس بالسر خاليًا

فحينئذٍ يجتمع قلبه وخواطره وحديث نفسه على إرادة ربه وطلبه والشوق إليه، فإذا صدق في ذلك رزق محبة الرسول، واستولت روحانيته على قلبه، فجعله إمامه وأستاذه ومعلمه وشيخه وقدوته، كما جعله الله نبيه ورسوله وهاديه، فيطالع سيرته ومبادئ أموره، وكيفية نزول الوحي عليه، ويعرف صفاته وأخلاقه وآدابه وحركاته وسكونه، ويقظته ومنامه، وعبادته ومعاشرته لأهله وأصحابه، إلى غير ذلك


للقلب، كالبصر للعين، "فيقوم بقلبه شاهد من شواهد الآخرة، فينجذب"، يُقبل "إليها بكليته" جملته "ويزهد في التعلقات الفانية"، كما في الحديث: ازهد في الدنيا يحبك الله، "ويدأب" يجهد ويتعب نفسه "في تصحيح التوبة" المأمور به بها في {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: ٨] الآية، "والقيام بالمأمورات الظاهرة"، كالصلاة، "والباطنة"، كالحب لله ولرسوله، "وترك المنهيات الظاهرة" كالغيبة، "والباطنة" كالحسد "ثم يقوم حارسًا على قلبه، فلا يسامحه بخطرة يكرهها الله" بل يتوب منها في الحال "ولا بخطرة فضول لا تنفعه" لأنه إذا سامحه من ذلك انتقل إلى ما فوقه، وهكذا، وإذا فعل ما ذكر "فيصفو لذلك قلبه بذكر، ومحبته والإنابة": الرجوع "إليه، ويخرج من بين بيوت طبعه ونفسه إلى فضاء الخلوة بربه، وذكره ربه كما قال:
"وأخرج من بين البيوت لعلني ... أحدث عنك النفس بالسر خاليًا
فأراد الشاعر بالبيوت: الطبع والنفس، بدليل ترجيه لا البيوت الحقيقية؛ إذ لا اعتداد بالخروج منها مع بقاء الطبع "فحينئذٍ يجتمع قلبه وخواطره، وحديث نفسه على إرادة ربه، وطلبه، والشوق إليه، فإذا صدق في ذلك رزق محبة الرسول، واستولت روحانيته على قلبه، فجعله إمامه" الذي يقتدي به "وأستاذه" أي: معلمه، كلمة أعجمية؛ لأن السين والذال المعجمة لا يجتمعان في كلمة، ومعناها الماهر بالشيء العظيم "ومعلمه وشيخه وقدوته" ألفاظ متقاربة "كما جعله الله نبيه ورسوله وهاديه"، الدال عليه، "فيطالع سيرته ومبادئ" أوائل

<<  <  ج: ص:  >  >>