للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاتباع هذا النبي الكريم حياة القلوب، ونور البصائر، وشفاء الصدور، ورياض النفوس، ولذة الأرواح، وأنس المستوحشين، ودليل المتحيرين.

ومن علامات محبته: أن يرضى مدعيها بما شرعه، حتى لا يجد في نفسه حرجًا مما قضى، قال الله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥] ، فسلب اسم الإيمان عمن وجد في صدره حرجًا من قضائه ولم يسلم له.

قال شيخ المحققين وإمام العارفين، تاج الدين بن عطاء الله الشاذلي، أذاقنا


علم الوحي، كما تزعم الشيعة، "فقال: لا إلا فهما يؤتيه الله عبدًا في كتابه" القرآن من فحوى الكلام، ويدركه من باطن المعاني التي هي غير الظاهر من نصه، ومراتب الناس في ذلك متفاوتة، وفيه جواز استخراج العالم من القرآن بفهمه، ما لم يكن منقولا عن المفسرين إذا وافق أصول الشريعة "فهذا هو العلم اللدني الحقيقي، فاتباع هذا النبي الكريم حياة القلوب، ونور البصائر، وشفاء الصدور ورياض النفوس" جمع روضة، وهي الموضع المعجب بالزهور، جعل اتباعه كرياض مزهرة مثمرة للنفوس، الالتذاذ ها كلذة رائي الرياض بها، "ولذة الأرواح، وأنس المستوحشين، ودليل المتحيرين ومن علامات محبته أن يرضى مدعيها" عبر به دون محب؛ لأنه إذا ثبت أنه محب لا يحتاج لعلامة "بما شرعه" صلى الله عليه وسلم أمرًا ونهيًا، سماه شارعًا لمجيئه على يده وتبليغه، وإن كان الشارع حقيقة هو الله تعالى.
وفي نسخة: بما شرعه الله، أي: ما جاء به رسوله وبلغه، لقوله: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: ٦٧] فمآلهما واحد، لكن الأولى أنسب بما الكلام فيه، "حتى لا يجد في نفسه حرجًا مما قضى" أي: ضيقًا أو شكًا.
"قال الله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} لا مزيدة للتأكيد، ونفي لما تقدمها، أي: ليس كما زعموا أنهم آمنوا بما أنزل إليك، وما أنزل من قبلك، وقيل: لا الثانية زائدة، والقسم معترض بين حرفي النفس {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} أي: يرجعوا لحكمك ويرضوا به {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} من المشاجرة، وهي المخاصمة، وأصل معناه الاختلاط، ومنه الشجر لتداخل أغصانه واختلاطها {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} ضيقًا مما حكمت به، أو من حكمك أو شكا من أجله، فإن الشاك في ضيق من أمره {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥] ، أي: ينقادوا لحكمك، وأكده ليفيد الانقياد ظاهرًا، وباطنًا "فسلب اسم الإيمان عمن وجد في صدره حرجًا من قضائه ولم يسلم له" بقوله: لا يؤمنون.

<<  <  ج: ص:  >  >>