للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجرح في نفسه، حتى أقسم على ذلك بالربوبية الخاصة برسوله صلى الله عليه وسلم رأفة وعناية وتخصيصًا ورعاية؛ لأنه لم يقل: فلا والرب، وإنما قال: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} ففي ذلك تأكيد بالقسم، وتأكيد في القسم، علمًا منه سبحانه بما في النفوس منطوية عليه من حب الغلبة ووجود النصرة سواء كان الحق عليها أو لها، وفي ذلك إظهار لعنايته برسوله صلى الله عليه وسلم؛ إذ جعل حكمه حكمه، وقضاءه قضاءه، فأوجب على العباد الاستسلام لحكمه، والانقياد لأمره، ولم يقبل منهم الإيمان بإلهيته حتى يذعنوا لأحكام رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كما وصفه به ربه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣] فحكمه حكم الله، وقضاؤه قضاء الله، كما قال: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} [الفتح: ١٠] وأكد ذلك بقوله: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} .


عليه وألزمك به من المطلوبات والمنهيات، "ثم إنه سبحانه لم يكتف بنفي الإيمان عمن لم يحكم، أو حكم ووجد الحرج في نفسه"، بل بالغ في ذلك "حتى أقسم على ذلك"، فهو غاية لمقدر "بالربوبية الخاصة برسوله"، أي: المضافة إليه صلى الله عليه وسلم وجعلها خاصة به؛ لأن الرب في الأصل بمعنى التربية، وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئًا فشيئًا، وهي وإن كانت شاملة لجميع العالمين، لكن تربية الحق لحبيبه لا يوازيها تربيته لغيره؛ لأنه بلغه أعلى الكمالات التي لم يبلغها لأحد سواه "رأفة وعناية" اهتمامًا "وتخصيصًا ورعاية؛ لأنه لم يقل: فلا والرب، إنما قال: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} ففي ذلك تأكيد" لما أخبر به "بالقسم، وتأكيد في القسم" نفسه، بإضافة ربوبيته إليه؛ تعظيمًا له وتنويهًا لمقامه، وإنما أكد بذلك "علمًا منه"، أي: لعلمه "سبحانه بما في النفوس، منطوية عليه من حب الغلبة ووجود النصرة" على غيرها.
"سواء كان الحق عليها أو لها، وفي ذلك إظهار لعنايته برسوله صلى الله عليه وسلم؛ إذ جعل حكمه حكمه، وقضاءه قضاءه"، عطف مساوٍ للإشارة إلى أن مدلول "يحكموك" و"قضيت" واحد، "فأوجب على العباد الاستسلام لحكمه والانقياد لأمره" عطف تفسير.
قال في الشفاء: يقال: سلم واستسلم وأسلم، إذا انقاد "ولم يقبل منهم الإيمان بإلهيته"، أي: بأنه آله "حتى يذعنوا" ينقادوا "لأحكام رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كما وصفه به ربه" تبارك وتعالى، حيث قال، أو قائلًا: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} ، أي: هوى نفسه {إِنْ} ما {هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} فحكمه حكم الله، وقضاؤه قضاء الله، كما قال: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>