للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الآية إشارة أخرى إلى تعظيم قدره، وتفخيم أمره صلى الله عليه وسلم وهي قوله تعالى: {وَرَبَّكَ} فأضاف نفسه إليه، كما قال في الآية الأخرى: {كهيعص، ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} [مريم: ١، ٢] فأضاف الحق سبحانه نفسه إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وأضاف زكريا إليه ليعلم العباد فرق ما بين المنزلتين وتفاوت ما بين الرتبتين.

ثم إنه تعالى لم يكتف بالتحكيم بالظاهر فيكونوا به مؤمنين، بل اشترط فقدان الحرج -وهو الضيق- من نفوسهم في أحكامه صلى الله عليه وسلم، سواء كان الحكم بما يوافق أهواءهم أو يخالفها، وإنما تضيق النفوس لفقدان الأنوار، ووجود الأغيار، فعنه يكون الحرج وهو الضيق، والمؤمنون ليسوا كذلك؛ إذ نور الإيمان ملأ قلوبهم فاتسعت وانشرحت، فكانت واسعة بنور الواسع العليم، ممدودة بوجود فضله العظيم، مهيآت لواردات أحكامه مفوضة له في نقضه وإبرامه، انتهى.


يُبَايِعُونَ اللَّهَ} لأنه المقصود ببيعته، "وأكد ذلك بقوله: {يَدُ اللَّهِ فَوَْ أَيْدِيهِمْ} ، حال واستئناف مؤكد له على سبيل التخييل، قاله البيضاوي "وفي الآية إشارة أخرى إلى تعظيم قدره وتفخيم أمره صلى الله عليه وسلم، وهي قوله تعالى: {وَرَبَّكَ} فأضاف نفسه تعالى "إليه" عليه الصلاة والسلام، "كما قال في الآية الأخرى: {كهيعص، ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} ، فأضاف الحق سبحانه نفسه، في الآيتين "إلى محمد صلى الله عليه وسلم" فقال في الأولى: وربك وفي الثانية: ربك "وأضاف زكريا إليه"؛ لأنه بدل من عبده أو بيان له، فكان المعنى: ذكر رحمة ربك زكريا، الذي هو عبده "ليعلم" "بضم التحتية وسكون العين وكسر اللام" الله "العباد، فرق ما بين المنزلتين"، منزلة نبينا ومنزلة زكريا، فإن في إضافة رب إلى المصطفى غاية التعظيم، "وتفاوت ما بين الرتبتين" عطف تفسير، فالرتبة لغة المنزلة والمكانة، "ثم إنه تعالى لم يكتف بالتحكيم بالظاهر، فيكونوا به مؤمنين، بل اشترط فقدان الحرج، وهو الضيق من نفوسهم في أحكامه صلى الله عليه وسلم، سواء كان الحكم بما يوافق أهواءهم أو يخالفها، والثاني ظاهر وأما الأول، فلأنه لا يلزم من كونه الحكم موافقًا لهاه أن لا يشق عليه لما في الإلزام به من مشقة التكليف المترتب على فعله أو تركه عقوبة لا العفو، ويقرب ذلك أن الرجل قد يهوى زواج امرأة، لكن يمنعه كثرة نفقتها مثلًا، فإلزامه بتزوجها وإن وافق هواه، لكنه يشق عليه، فإذا أخذها للأمر ناله حرج في نفسه، "وإنما تضيق النفوس لفقدان الأنوار ووجود الأغيار، فعنه" أي: عما ذكر من الأمرين "يكون الحرج، وهو الضيق، والمؤمنون ليسوا كذلك؛ إذ نور الإيمان ملأ قلوبهم فاتسعت وانشرحت، فكانت واسعة بنور الواسع" الذي وسع علمه ورحمته كل شيء،

<<  <  ج: ص:  >  >>