للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال سهل بن عبد الله: من لم ير ولاية الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله، ويرى نفسه في ملكه لم يذق حلاوة سنته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه".

وروينا عن السيد العارف بالله تعالى الكبير أبي عبد الله القرشي أنه قال: حقيقة المحبة أن تهب كلك لمن أحببت، ولا يبقى لك منك شيء. انتهى.

فمن آثر هذا النبي الكريم على نفسه، كشف الله له عن حضرة قدسه، ومن معه بلا اختيار ظهرت له خفايا حقائق أسرار أنسه.


أو الغني الذي وسع غناه معاش عباده، ورزقه كافة خلقة "العليم" لكل معلوم، أو البالغ في العلم، فعلمه شامل لجميع المعلومات، محيط بها، سابق على وجودها "ممدودة" أي: مقواة في أنفسها "بوجود فضله العظيم" زيادة على إشراقها بأنوار قدسه، مأخوذة من مد الجيش وأمده إذا زاده وقواه، "مهيآت لواردات أحكامه"، وهي ما يرد على القلب من الخواطر المحمودة من غير عمل العبد، وتطلق أيضًا على كل ما يرد على القلب، سواء كان وارد قبض، أو بسط، أو حزن، أو فرح، أو غير ذلك من المعاني، قاله الكاشي: "مفوضة له في نقضه وإبرامه انتهى". كلام ابن عطاء الله.
"وقال سهل بن عبد الله" التستري: "من لم ير" أي: يعمل ويتيقن "ولاية الرسول صلى الله عليه وسلم" بفتح الواو وكسرها نفوذ حكمه وسلطانه "عليه في جميع أحواله" بأن لا يخالفه في أمر من الأمور، "وير نفسه في ملكه" بكسر الميم حتى كأنه مملوكه، "لم يذق حلاوة سنته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم" أي: لا يكمل إيمانه "حتى أكون أحب إليه من نفسه"، فإنه يدل على تلذذه بالاقتداء به، وإنما يلتذ بذلك إذا أحبه، فإن المحب لا يخالف محبوبه، فيترك مراده لمراده وبهذا دل على الأحبية، وطابقة العلة معلولها.
"وروينا عن السيد العارف بالله تعالى، الكبير" محمد بن أحمد بن إبراهيم "أبي عبد الله القرشي"، الأندلسي، ثم المصري، ثم المقدسي، وبه توفي سنة تسع وتسعين وخمسمائة، والدعاء عند قبره مجاب، ولقي نحو ستمائة شيخ، وجد واجتهد، وأخذ عنه كثيرون، وله كرامات، "أنه قال: حقيقة المحبة أن تهب كلك لمن أحببت، ولا يبقى لك منك شيء، انتهى".
وهو من ثمراتها وعلاماتها، "فمن آثر هذا النبي الكريم على نفسه" بأن قدم ما فيه رضاه، بامتثال أمره واجتناب نهيه، مطمئنًا بقبول ما جاء عنه زيادة على الإيمان "كشف الله له

<<  <  ج: ص:  >  >>