للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مواقع رضاه وآمرًا لهم بها، ومواقع سخطه وناهيًا لهم عنها، ومخبرهم أخبار الأنبياء والرسل وأحوالهم مع أممهم، وأخبار تخليق العالم، وأمر المبدأ والمعاد، وكيفية شقاوة النفوس وسعادتها وأسباب ذلك.

وأما طب الأجساد فجاء من تكميل شريعته، ومقصودًا لغيره، بحيث إنه إنما يستعمل للحاجة إليه، فإذا قدر الاستغناء عنه كان صرف الهمم إلى علاج القلوب وحفظ صحتها، ودفع أسقامها وحميتها مما يفسدها هو المقصود بإصلاح الجسد، وإصلاح الجسد بدون إصلاح القلب لا ينفع، وفسد البدن مع إصلاح القلب مضرته يسيرة جدًّا، وهي مضرة زائلة، تعقبها المنفعة الدائمة التامة.

وإذا علمت هذا، فاعلم أن ضرر الذنوب في القلوب كضرر السموم في الأبدان، على اختلاف درجاتها في الضرر. وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا


لهم "وناهيا لهم عنها" بوحي الله وأمره له بذلك، "ومخبرهم أخبار الأنبياء والرسل، وأحوالهم مع أممهم" أي مخبرهم بأحوال الأنبياء مع أممهم، أو بأخبار الأنبياء الذين صدرت منهم الأخبار إلى أممهم، كقول صالح: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} [الأعراف: ٧٣] ، "وأخبار تخليق" أي خلق "العالم" كأخباره عن خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، والأرض بعد ذلك دحاها، والجبال أرساها "وأمر المبدأ والمعاد" الرجوع يوم القيامة، "وكيفية شقاوة النفوس وسعادتها، وأسباب ذلك" المذكور من شقاوة وسعادة، ولما نشأ من الحصر؛ بأنه إنما بعث هاديًا ... إلخ سئل هو: فلما تكلم على كثير من أمور الطب، أجاب عنه بقوله: "أما طب الأجساد، فجاء من تكميل شريعته، و" وجاء "مقصودًا لغيره" لا لذاته، "بحيث إنه إنما يستعمل للحاجة إليه" أي عند الحاجة إليه "فإذا قدر الاستغناء عنه كان صرف الهمم إلى علاج القلوب وحفظ صحتها ودفع أسقامها وحميتها" "بكسر الحاء" منعها "مما يفسدها هو المقصود بإصلاح الجسد" ويجوز كما يفهم من هذا الكلام، أنه قسيم لمقدر، أي: فأما طب القلوب وإصلاحها فهو المقصود من شرعه، وأما طب الأجساد ... إلخ.
وبهذا جزم في الشرح، وجوز الأول في تقريره، "وإصلاح الجسد بدون إصلاح القلب لا ينفع" بل قد يضر، "وفساد البدن مع إصلاح القلب مضرته يسيرة جدًّا" لأنه إنما يترتب عليها وفات غرض دنيوي لا يؤثر خللًا في الدين، "وهي مضرة زائلة" "مصدر ميمي بمعنى الضرر"، "تعقبها المنفعة الدائمة التامة" بالخلود في جنات النعيم؛ "وإذا علمت هذا، فاعلم أن ضرر الذنوب في القلوب، كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها" أي أنواعها

<<  <  ج: ص:  >  >>