للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هي أمراض متى استحكمت قتلت ولا بد، كما أن البدن لا يكون صحيحًا إلا بغذاء يحفظ قوته، واستفراغ يستفرغ المواد الفاسدة والأخلاط الرديئة التي متى غلبت عليه أفسدته، وحمية يمتنع بها من تناول ما يؤذيه ويخشى ضرره فكذلك القلب، لا تتم حياته إلا بغذاء من الإيمان والأعمال الصالحة يحفظ قوته، واستفراغ بالتوبة النصوح يستفرغ المواد الفاسدة والأخلاط الرديئة، وحمية توجب له حفظ الصحة، وتجنب ما يضادها، وهي عبارة عن ترك استعمال ما يضاد الصحة، والتقوى اسم متناول لهذه الأمور الثلاثة، فما مات منها فات من التقوى بقدره.

وإذا تبين هذا فالذنوب مضادة لهذه الأمور الثلاثة، فإنها تستجلب المواد المؤذية، وتوجب التخليط المضاد للحمية، وتمنع الاستفراغ بالتوبة النصوح. فانظر إلى بدن عليل قد تراكمت عليه الأخلاط ومواد المرض، وهو لا يستفرغها ولا يحتمي لها، كيف تكون صحته وبقاؤه ولقد أحسن القائل:


صحيحًا إلا بغذاء" "بمعجمتين ممدود" "يحفظ قوته، واستفراغ" أي علاج "يستفرغ" يخرج "المواد الفاسدة والأخلاط الرديئة التي متى غلبت عليه أفسدته" فتؤدي إلى الأمراض أو الهلاك عادة، "وحمية يمتنع بها من تناول ما يؤذيه، ويخشى ضرره" من مرض أو هلاك، "فكذلك القلب لا تتم حياته إلا بغذاء من الإيمان" من بيانية أو تبعيضية، أي: أشياء هي الإيمان "والأعمال الصالحة" أو بأمور هي بعض مكملات الإيمان، والأعمال الصالحة "تحفظ قوته" وإطلاق الغذاء على ذلك مجاز؛ لأنه لغة ما يتغذى به من الطعام والشراب، "واستفراغ بالتوبة النصوح" لغة من النصح، وهو صفة التائب، فإنه ينصح نفسه بالتوبة، وصفت به على الإسناد المجازي مبالغة في النصح، أو من النصاحة، وهي الخياطة، كأنها تنصح ما خرق الذنب.
قال البيضاوي: "يستفرغ المواد الفاسدة والأخلاط الرديئة، وحمية" عن المعاصي "توجب له حفظ الصحة وتجنب ما يضادها، وهي عبارة عن ترك استعمال ما يضاد الصحة والتقوى، اسم متناول لهذه الأمور الثلاثة" الغذاء والاستفراغ والحمية، "فما فات منها فات من التقوى بقدره" فتكون ناقصة؛ "وإذا تبين هذا، فالذنوب مضادة لهذه الأمور الثلاثة، فإنها تستجلب المواد المؤذية وتوجب التخليط المضاد" المخالف "للحمية، وتمنع الاستفراغ بالتوبة النصوح، فانظر إلى بدن عليل قد تراكمت عليه الإخلاط ومواد المرض، وهو لا يستفرغها ولا يحتمي لها" مراده تقريب المعقول بالمحسوس، أي تأمل بدن عليل موصوف بما ذكر، "كيف تكون صحته وبقاؤه" استفهام توبيخي بمعنى النفي، أي لا تكون له صحة ولا بقاء،

<<  <  ج: ص:  >  >>