للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جسمك بالحمية حصنته ... مخافة من ألم طاري

وكان أولى بك أن تحتمي ... عن المعاصي خشية النار

فمن حفظ القول بامتثال الأوامر، واستعمل الحمية باجتناب النواهي، واستفرغ التخليط بالتوبة النصوح، لم يدع للخير مطالبًا، ولا للشر مهربًا، وفي حديث أنس: "ألا أدلكم على دائكم ودوائكم، ألا إن دائكم الذنوب، ودواؤكم الاستغفار".

فقد ظهر لك أن طب القلوب ومعالجتها لا سبيل إلى معرفته إلا من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم بواسطة الوحي.


والقلب العليل شبيه بالبدن العليل، فإذا تراكمت عليه الخطايا، بحيث اشتدت غفلته وإعراضه عن الله، وما تدارك ما يوقظه من تلك الغفلة، بل تمادى على ضلاله، كيف يرجى قربه من الله واندراجه في الصالحين، لا يكون ذلك إلا أن يحفه الله بالرحمة، فيوفقه إلى عمل صالح يكون سببًا لنجاته، "ولقد أحسن القائل":
"جسمك بالحمية حصنته ... مخافة من ألم طاري
وكان أولى بك أن تحتمي ... عن المعاصي خشية النار"
"فمن حفظ القوة بامتثال الأوامر، واستعمل الحمية باجتناب النواهي، واستفراغ التخليط بالتوبة النصوح، لم يدع للخير مطلبًا" أي لم يترك شيئًا من الأسباب التي تسوق إلى الرحمة والقرب من الله، "ولا للشر مهربًا" بزنة جعفر: موضع يذهب إيه الفأر خوفًا، أي لم يترك سببًا من الأسباب التي تدفع الشر عنه، وتبعده عن النار وعذابها؛ بل إذا اتقى هرب الشر عنه كما يفر الخائف من عدو يريد البطش به.
"وفي حديث أنس" قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا أدلكم على دائكم" "بفتح الدال ممدود" أي مرضكم "ودوائكم" شفائكم من المرض "بفتح الدال والمد"، وحكى الجوهري وغيره "كسر الدال لغة" وهي شاذة، قاله عياض: "ألا إن داءكم الذنوب" لأنها سبب إلى دخول النار، وذلك أعظم من كل المراض، وفي التنزيل: ولعذاب الآخرة أشق، "ودواؤكم الاستغفار" أي التوبة والإقلاع عن الذنوب، والندم والعزم على أن لا يعود: وهذا الحديث رواه البيهقي عن أنس مرفوعًا.
قال المنذري: وقد روي عن قتادة من قوله، وهو أشبه بالصواب، "فقد ظهر لك" مما ذكر "أن طب القلوب ومعالجتها لا سبيل" طريق "إلى معرفته إلا من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم، بواسطة الوحي" بملك أو غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>