وفي مسلم أيضا من طريق أبي سفيان، عن جابر: جاء أعرابي، فقال: يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي ضرب فتدحرج، فاشتددت على أثره، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تحدث بتلعب الشيطان بك في منامك" وقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بعد يخطب، فقال: "لا يحدثن أحدكم بتلعب الشيطان به في منامه" وله في رواية ثالثة، عن جابر: جاء رجل، فقال: يا رسول الله رأيت في المنام كان رأسي قطع، فضحك صلى الله عليه وسلم وقال: "إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه، فلا يحدث به الناس". قال المازري والقرطبي: ليس في المنام ما يدل على أنه من الأضغاث أو تلاعب الشيطان، فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن منامه هذا من الأضغاث أو تلاعب الشيطان، بوحي أو بدلالة في المنام دلته على ذلك، أو على أنه من المكروه الذي هو من تحذير الشيطان. وقيل: إن الراوي أسقط من المنام ما لو ذكره لعلم أنه من الأضغاث وإلا فأهل التأويل في قطع الرأس تأويلات، كمفارقة الرائي ما هو عليه من النعم، أو مفارقة قومه، أو زوال سلطانه، أو تغير حاله في جميع الأمور، إلا أن يكون عبدا، فيدل على عتقه، أو مريضا فيدل على شفائه، أو مديانا فيدل على قضاء دينه، أو لم يحج، فيدل على أن يحج، أو محزونا فدل على زوال حزنه أو فرحه، أو خافئا فيدل على أمنه، إلى غير ذلك مما وسعوا فيه، وكذلك ينظرون في اتباع الرأس بما يئولون به قطع الرأس في الحملة لا باعتبار هذا المنام بعينه. وقد ذكر ابن قتيبة في كتاب أصول العبارة أن رجلا قال: يا رسول الله إني رأيت رأسي قطع، فجعلت أنظر إليه بإحدى عيني، فضحك صلى الله عليه وسلم وقال: "بأيهما كنت تنظر إليه" فلبث ما شاء الله، ثم قبض صلى الله عليه وسلم، وإن النظر إليه كأنه اتباع السنة. انتهى. "الثاني: أن يرى بعض الملائكة يأمره أن يفعل المحرمات ونحوه من المحالات عقلا"؛ لأن العقل دل على عصمتهم من ذلك، فلا يمكن وقوعه، فهو من الأضغاث لا تعبير له.