للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِه} [مريم: ٦٥] .

فأمره تعالى عليه السلام بالعبادات والمصابرة على مشاق التكاليف في الإنذار والإبلاغ.

فإن قلت: لم لم يقل: واصطبر على عبادته، بل قال: {وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} ؟

فالجواب: لأن العبادة جعلت بمنزلة القِرْن في قولك للمحارب: اصطبر لقرنك أي: اثبت له فيما يورده عليك من مشاقه. والمعنى: أن العبادة تورد عليك شدائد ومشاق فاثبت لها قاله الفخر الرازي وكذا البيضاوي.

وقال الله تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: ١٢٣] .

فأول درجات السير إلى الله تعالى، عبودية الله، وآخرها التوكل عليه، وإذا كان العبد لا


في المكروهات" إذ هذا من حقيقة العبودية.
"وقال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} أي اصبر عليها، "فأمره تعالى عليه السلام بالعبادات والمصابرة على مشاق التكاليف في الإنذار والإبلاغ" كأنه قصر المشقة على ذلك، لأنه لا يشق عليه غيره من العبادات، وإن تورمت قدماه من القيام، "فإن قلت: لم لم يقل واصطبر على عبادته" مع أن المعنى على ذلك، "بل قال: {وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} ، قلت: "فالجواب" عبر بذلك، "لأن العبادة جعلت بمنزلة القرن"، "بكسر القاف وسكون الراء" المقاوم في علم، أو قتال، أو غير ذلك "في قولك للمحارب: اصطبر لقرنك، أي اثبت له فيما يورده عليك من مشاقه، والمعنى" هن "أن العبادة تورد عليك شدائد ومشاق، فاثبت لها، قاله الفخر الرازي" وحاصله: أن اللام للتعليل ومفعول اصطبر محذوف، أي اصطبر على المكاره والمشاق لأجل العبادة، "وكذا البيضاوي" بلفظ: إنما عدي "باللام" لتضمنه معنى الثبات للعبادة فيما يورد عليه من الشدائد والمشاق، كقولك للمحارب: اصطبر لقرنك.
"وقال الله تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي علم ما غاب فيهما، {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ} "بالبناء للفاعل" يعود "وللمفعول" يرد {الْأَمْرُ كُلُّهُ} فينتقم ممن عصى، {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} ثق به، فإنه كافيك، "فأول درجات السير إلى الله تعالى" أي السعي في طلب الوصول إلى القرب منه عز وجل "عبودية الله" بالاجتهاد فيها، "وآخرها التوكل عليه" بأن يفوض جميع أموره إليه مخلصا، بحيث لا يعتمد على غيره في أمر ما، حتى لو سأل غيره في شيء لاحظ أن المسئول لا فعل له، وأن الله هو المعطي، فإن أراد وصول شيء للعبد على يد

<<  <  ج: ص:  >  >>