للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحقيقي ينقل العبد من الأعمال الظاهرة إلى الأعمال الباطنة ويريح الجسد والجوارح من كد العمل زاعما بذلك سقوط التكليف عنه, وهؤلاء أعظم كفرا وإلحادا، حيث عطلوا العبودية وظنوا أنهم استغنوا عنها بما حصل لهم من الخيالات الباطلة، التي هي من أماني النفس وخدع الشيطان, فلو وصل العبد من القرب إلى أعلى مقام يناله العبد لما سقط عنه من التكليف مثقال حبة ما دام قادرا عليه.

وقد اختلف العلماء: هل كان عليه الصلاة والسلام قبل بعثته متعبدا بشرع من قبله أم لا؟

فقال جماعة: لم يكن متعبدا بشيء، وهو قول الجمهور، واحتجوا بأنه لو كان كذلك لنقل، ولما أمكن كتمه وستره في العادة، إذ كان من مهم أمره، وأولى ما اهتبل به من سيرته، ولفخر به أهل تلك الشريعة، ولاحتجوا به عليه، ولم


"واجتهادهم" في الطاعات، "ولا تلتفت إلى ما يظنه بعض المنتسبين إلى التصوف، حيث قال: القرب الحقيقي ينقل العبد من الأعمال الظاهرة إلى الأعمال الباطنة، ويريح الجسد والجوارح من كد" أي تعب "العمل، زاعما بذلك سقوط التكليف عنه، وهؤلاء أعظم كفرا وإلحادا، حيث عطلوا العبودية، وظنوا أنهم استغنوا عنها بما حصل لهم من الخيالات الباطلة، التي هي من أماني النفس" أكاذيبها "وخدع الشيطان" ما يخدع به الإنسان ليضله، "فلو وصل العبد من القرب إلى أعلى مقام يناله العبد لما سقط عنه من التكليف مثقال حبة ما دام قادرا عليه" بإجماع.
"وقد اختلف العلماء هل كان عليه الصلاة والسلام قبل بعثته متعبدا بشرع من قبله أم لا؟ " قيل: صوابه أو لا، لأن أم لا تعادل هل، وفيه نظر، "فقال جماعة: لم يكن متعبدا بشيء" من شرائع من قبله، "وهو قول الجمهور" كالباقلاني وغيره من المحققين.
قال عياض: فالمعاصي على هذا القول غير موجودة ولا متصورة في حقه حينئذ، إذ الأحكام الشرعية إنما تتعلق بالأوامر والنواهي، وتقرر الشريعة "واحتجوا بأنه لو كان ذلك لنقل" إلينا بعده "ولما أمكن كتمه وستره في العادة" الجارية بين الناس في مثله أن من تعبد بشرع يظهره وينقله من اطلع عليه نقلا مستفيضا لا يخفى، "إذ كان" نقله وعدم كتمانه "من مهم أمره" أي تعبده بشرع غيره عند أهل ذلك الدين، "وأولى"، أي أحق "ما اهتبل"، "بهاء ففوقية فموحدة مبني للمفعول"، أي اعتنى واهتم "به من سيرته" وصفاته المأثورة، "ولفخر به أهل تلك الشريعة" بأن من أهل ملتهم أشرف الأنبياء، "ولاحتجوا به عليه" أي لاستدل أهل تلك الشريعة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعاهم لاتباعه، بأنك كنت على شريعتنا، فلم تنهانا عنها الآن،

<<  <  ج: ص:  >  >>