للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختلفت هذه الفرقة المعينة فيمن كان يتبع فقيل: نوح، وقيل: إبراهيم، وقيل: موسى، وقيل: عيسى.

فهذه جملة المذاهب في هذه المسألة. والأظهر فيها ما ذهب إليه القاضي أبو بكر، وأبعدها مذهب المعينين، إذ لو كان شيء من ذلك لنقل -كما قدمناه- لكنه ولم يخف جملة، ولا حجة لهم في أن عيسى آخر الأنبياء فلزمت شريعته من جاء بعده، إذ لم يثبت عموم دعوة عيسى، بل الصحيح أنه لم يكن لنبي دعوة عامة إلا لنبينا صلى الله عليه وسلم. انتهى ملخصا من كلام القاضي عياض، وهو كلام حسن بديع، لكن قوله: فهذه جملة المذاهب، فيه نظر، لأنه بقي عليه منها شيء، فقد


التعيين، "وجسر" تجرأ، وأقدم "بعضهم على التعيين وصمم" عزم وتمادى على ذلك ولم يرجع عنه، "ثم اختلفت هذه الفرقة المعينة فيمن كان يتبع، فقيل: نوح،" لأنه أول رسول إلى أهل الأرض كما في الصحيح، أي بالإهلاك والإنذار لقومه، فلا يرد أن أول الرسل آدم، لأن رسالته كانت كالتربية لبنيه، "وقيل: إبراهيم" لأنه أفضل الرسل بعد نبينا، "وقيل: موسى" لأنه كليم الله وكتابه أجل الكتب قبل وجود القرآن، "وقيل: عيسى" لأنه أقرب الرسل زمانا إليه، "فهذه جملة المذاهب" المنقولة "في هذه المسألة والأظهر", أي الأقوى دليلا "فيها ما ذهب إليه القاضي أبو بكر "محمد بن الطيب الباقلاني، وهو قول الجمهور المنقول أولا، وقد وصف أبو بكر في الشفاء، بأنه سيف السنة ومقتدى فرق الأمة إشارة إلى ترجيحه، وأنه لا ينبغي العدول عنه، ولأنه مالكي على مذهب عياض، لا شافعي كما وهم، "وأبعدها مذهب المعينين، إذ لو كان شيء من ذلك لنقل" إذ مثله لا يخفى "كما قدمناه لكنه" لم ينقل، فدل على عدمه، "ولم يخف،" أي يستر "جملة" على الناس، "ولا حجة لهم في أن عيسى آخر الأنبياء" قبله، فهو أقربهم إليه، ولا نبي بينهما، فهو أولى به، كما ذهب إليه من عينه "فلزمت شريعته ما جاء بعده" لأنه المتبادر ببادي الرأي قبل، التأمل وعند التأمل لا يلزم من جاء بعده، "إذ لم يثبت عموم دعوة عيسى" وإنما كانت لبني إسرائيل كما في التنزيل: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ} [الصف: ٦] ، "بل الصحيح أنه لم يكن لنبي دعوة عامة إلا لنبينا صلى الله عليه وسلم" فإنها عمت الثقلين إجماعا والملائكة على أحد القولين ورجح، ومقابل الصحيح إن دعوة بعض من قبله عامة أيضا، لقول نوح: {لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} ، إذ لو لم يرسل لهم ما استحقوا الهلاك بمخالفته، وهذا إن سلم فهو عموم نسبي لا حقيقي، كما لنبينا عليه الصلاة والسلام.
"انتهى ملخصا من كلام القاضي عياض" في الشفاء "وهو كلام حسن بديع" في

<<  <  ج: ص:  >  >>