للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصواب، فيتم عليه ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين".

ففيه: إثبات العلة قبل الحكم، بقوله: "إنما أنا بشر مثلكم" ولم يكتف بإثبات وصف النسيان له, حتى دفع قول من عساه يقول: ليس نسيانه كنسياننا فقال: "كما تنسون".

وبهذا الحديث يرد أيضا قول من قال: معنى قوله "لم أنس". إنكار للفظ الذي نفاه عن نفسه حيث قال: "إني لا أَنسى ولكن أُنسى لأسن". وإنكار للفظ الذي أنكره على غيره حيث قال: "بئسما لأحدكم أن يقول نسيت آية كذا وكذا".


وقال أبو حنيفة: معناه البناء على غالب الظن فلا يلزم بالاقتصار على الأقل، وفي رواية لمسلم: فليتحر أقرب ذلك إلى الصواب، وله في أخرى: فليتحر الذي يرى أنه صواب "فليتم عليه ثم يسلم ثم يسجد سجدتين" للسهو، "ففيه إثبات العلة قبل الحكم" على نفسه بالنسيان، بقوله: "إنما أنا بشر مثلكم" أنسى، فكأنه قال: أنسى، لأني بشر مثلكم وهو من سمات البشر:
وما سمي الإنسان إلا لنسيه ... وأول ناس أول الناس
"ولم يكتف بإثبات وصف النسيان له حتى دفع قول من عساه يقول ليس نسيانه كنسياننا، فقال": "كما تنسون". فكيف يصح زعم أنه يتعمد فعل ذلك، وقد رده عياض أيضا بأنه مع ضعفه متناقض بلا طائل، لأنه كيف يكون متعمدا ساهيا في حالة واحدة؟ "وبهذا الحديث يرد أيضا قول من قال: معنى قوله: "لم أنس". إنكار للفظ الذي نفاه عن نفسه، حيث قال: "إني لا أنسى" بلا النافية في إحدى الروايتين، بدل لام التأكيد في الرواية الأخرى، وهي: "إني لأنسى أو أنسى لأسن". التي قدمها المصنف، ومر الخلاف في أن أو عليها للشك أو لغيره، والروايتان حكاهما عياض.
وحكى أيضا ثالثة: "لست أنسى". "ولكن أنسى" بضم الهمزة وفتح النون وشد السين، أي: ينسيني الله تعالى "لأسن" حكما شرعيا للناس، كتعليم سجود السهو، قال عياض: ولا حجة فيه، إذ ليس فيه نفي حكم النسيان جملة، أي: جميعه، وإنما فيه نفي لفظه وكراهة لقبه، أي: اسمه، كقوله: "بئسما لأحدكم أن يقول نسيت آية كذا ولكنه نسي". أو نفي الغفلة وقلة الاهتمام بأمر الصلاة عن قلبه، لكن شغل بها عنها ونسي بعضها ببعضها، "وإنكار للفظ الذي أنكره على غيره، حيث قال" كما في الصحيحين عن ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بئسما لأحدكم" كذا في النسخ بالكاف، والذي في الصحيحين لأحدهم بالهاء، نعم في رواية لمسلم: "لا يقل أحدكم" وما نكرة موصوفة مفسرة لفاعل بئس، أي: بئس شيء، و"أن يقول" مخصوص بالذم، أي: بئس شيء كائن للرجل قوله: "نسيت" بفتح النون وكسر السين مخففة "آية كذا وكذا"

<<  <  ج: ص:  >  >>