للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيحمل ما ورد من الدعاء بعد الصلاة على أنه كان يقوله بعد أن يقبل على أصحابه بوجهه الشريف، فقد كان عليه السلام يسرع الانفتال إلى المأمومين، وكان ينفتل عن يمينه وعن شماله.

وقال ابن مسعود: رأيته صلى الله عليه وسلم كثيرا ينصرف عن يساره، رواه الشيخان. وقال أنس أكثر ما رأيته صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه رواه مسلم.


الزين بن المنير استدبار الإمام المأمومين إنما هو لحق الإمامة، فإذا انقضت الصلاة زال السبب، فاستقبالهم حينئذ يرفع الخيلاء والترفع على المأمومين، وقال غيره: حكمة ذلك تعريف الداخل بانقضاء الصلاة، إذ لو بقي الإمام على حاله لوهم أنه في التشهد مثلا، وما اقتضاه من جعل ظهره للقبلة ليس بمراد، فقد روى أبو داود عن يزيد بن الأسود: كان صلى الله عليه وسلم إذا انصرف انحرف، أي: إلى جهة شقه الأيمن أو الأيسر، والأفضل جعل يمينه إلى المحراب ويساره إلى الناس عند الحنفي، وعكسه عند الشافعي، ورجح بعضهم الصفة الأولى في محراب المدينة، لأنه إن فعل الثانية استدبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو قبله آدم، فمن بعده من الأنبياء، "فيحمل ما ورد من الدعاء بعد الصلاة على أنه كان يقوله بعد أن يقبل على أصحابه بوجهه الشريف" وإقباله إنما كان بعد الاستغفار" فقد كان عليه السلام يسرع الانفتال" بنون ففاء ففوقية، أي: الانصراف "إلى المأمومين، وكان ينفتل" ينصرف "عن يمينه" كثيرا "وعن شماله" قليلا لبيان الجواز، فلا ينافي أن الأفضل التيامن.
"وقال ابن مسعود" لا يجعل أحدكم للشيطان شيئا، ولمسلم: جزءا من صلاته يرى أن حقا عليه أن ل ينصرف إلا عن يمينه، لقد "رأيته صلى الله عليه وسلم كثيرا ينصرف عن يساره" استنبط منه ابن المنير أن المندوب قد ينقلب مكروها إذا خيف على الناس أن يرفعوه عن رتبته، لأن التيامن مستحب في كل شيء أي من أمور العبادة، لكن لما خشي ابن مسعود أن يعتقد وجوبه أشار إلى كراهته.
وقال أبو عبيدة لمن انصرف عن يساره: هذا أصاب السنة يريد والله أعلم حيث لم يلزم التيامن على أنه سنة مؤكدة أو واجب، وإلا فمن يظن أن التياسر سنة حتى يكون التيامن بدعة، إنما البدعة في رفع التيامن عن رتبته، "رواه الشيخان" عن ابن مسعود، لكن لفظ مسلم عنه: أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله، "وقال أنس: أكثر ما رأيته صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه، رواه مسلم" من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، قال: سألت أنسا كيف أنصرف إذا صليت عن يميني أو عن يساري، قال: أما أنا فأكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه.
قال الحافظ: رواية البخاري يعني لحديث ابن مسعود لا تعارض حديث أنس، يعني: لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>