للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالت أم سلمة: كان صلى الله عليه وسلم إذا سلم مكث في مكانه يسيرا، قال الزهري: فنرى -والله أعلم- لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال رواه البخاري.


رواية البخاري دلت على كثرة انصرافه عن يساره وهو لا يستلزم أنه الأكثر بل يشعر بأن الأكثر، انصرافه عن يمينه وهو ما ذكره أنس، قال -أعني الحافظ: أما رواية مسلم، أي: لحديث مسعود فظاهرها التعارض، لأنه عبر في كل منهما بصيغة أفعل، وجمع النووي بينهما، بأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل تارة هذا وتارة هذا، فأخبر كل بما اعتقد أنه الأكثر، وإنما كره ابن مسعود أن يعتقد وجوب الانصراف عن اليمين، وجمع الحافظ بحمل حديث ابن مسعود على حالة الصلاة في المسجد، لأن حجره صلى الله عليه وسلم كانت من جهة يساره، وحمل حديث أنس على ما سوى ذلك كحال السفر، ثم إذا تعارض اعتقاد ابن مسعود وأنس رجح ابن مسعود، لأنه أعلم وأسن وأجل وأكثر ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم وأقرب إلى ترقبه في الصلاة من أنس، وبأن في حديث أنس من تكلم فيه وهو السدي، وبأنه متفق عليه بخلاف حديث أنس في الأمرين، وبأن رواية ابن مسعود توافق ظاهر الحال، لأن حجر النبي صلى الله عليه وسلم كانت على جهة يساره كما مر، ثم ظهر لي أنه يمكن الجمع بوجه آخر، وهو أن من قال: كان أكثر انصرافه عن يساره نظر إلى هيئته في حال الصلاة، ومن قال: كان أكثر انصرافه عن يمينه نظر إلى هيئته في حال استقباله القوم بعد سلامه من الصلاة، فعلى هذا لا يختص الانصراف بجهة معينة، ومن ثم قال العلماء: يستحب الانصراف إلى جهة حاجته، لكن إذا استوت الجهتان في حقه فاليمين أفضل لعموم الأحاديث المصرحة بفل التيامن كحديث عائشة: كان يحب التيامن ... إلخ. انتهى.
"وقالت أم سلمة" أم المؤمنين: "كان صلى الله عليه وسلم إذا سلم" من الصلاة "مكث في مكانه" الذي صلى فيه "يسيرا".
"قال الزهري" محمد بن مسلم راوي الحديث عن هند بنت الحارث عن أم سلمة "فنرى"، "بضم النون" أي: نظن "والله أعلم" أن مكثه صلى الله عليه وسلم في مكانه "لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال" وفي لفظ: لكي ينفذ من ينصرف من النساء، وفي أخرى: لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم، "رواه البخاري" في مواضع ثلاثة متقاربة، وفي كل موضع ذكر تعليل الزهري كما ذكرت واختلاف ألفاظه من الرواة والمعنى واحد.
قال الحافظ: وفي الحديث مراعاة الإمام أحوال المأمومين واحتياط في اجتناب ما قد يفضي إلى المحذور، واجتناب مواقع التهم وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلا عن البيوت، ومقتضى التعليل المذكور أن المأمومين إذا كانوا رجالا فقط لا يستحب هذا المكث،

<<  <  ج: ص:  >  >>