للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة".

وروى البيهقي في الدعوات من حديث أنس: كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان". وكان يقول ليلة الجمعة: "ليل أغر ويوم الجمعة يوم أزهر".


الجمعة" أي: إنه أفضل من كل يوم طلعت عليه شمسه لما فيه من الأمور العظام والأشياء الجسام، كما أخبر عليه السلام ونص على بعضها بقوله: "فيه خلق آدم" الذي هو أصل البشر، ومن ولده الأنبياء والأولياء والصلحاء وهذه نعم عظيمة، "وفيه أدخل الجنة" وذلك أساس النعمة ورأس المنحة وهو المقام الموعود للمقبلين على الطاعة، "وفيه أخرج منها" لا للطرد، بل لقضاء أوطاره، ثم يعود إليها، قاله ابن العربي وقال الطيبي: فإن قيل دخوله الجنة فيه فضل اليوم، فما الفضل في خروجه؟ أجيب: بأنه لما كان سببا لتكثير النسل وبث عباد الله تعالى في الأرضين وإظهار عبادة الله التي خلق الخلق لأجلها، وما أقيمت السموات والأرض إلا لها وكان لا يتم ذلك إلا بخروجه منها كان أحرى بالفضل من استمراره فيها.
وعند مسلم في حديث آخر عن أبي هريرة مرفوعا: "وخلق آدم في آخر ساعة من يوم الجمعة".
قال ابن كثير: فإن كان يوم خلقه يوم إخراجه، وقلنا الأيام الستة كهذه الأيام، فقد أقام في الجنة بعض يوم من أيام الدنيا وفيه نظر، وإن كان إخراجه في غير اليوم الذي خلق فيه، وقلنا: كل يوم بألف سنة، كما قال ابن عباس ومجاهد والضحاك واختاره ابن جرير فقد لبث هناك مدة طويلة.
زاد في رواية مالك وأبي داود وغيرهما وفيه تيب عليه وفيه مات، فقبول توبته مظهر لطف الله تعالى به وكمال رحمته عليه، وفيه إرشاد لمن زل واقترف الإثم بالتوبة، وموته فيه رجوعه إلى الأوطان وهو عاقبة كل حي وفيه راحة المؤمن من تعب الدنيا، "ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة" وبه يعلم حال كل نفس وفيه الوصول إلى دار الثواب، فهو سبب لتعجيل جزاء الأنبياء والمؤمنين وإظهار كرامتهم وشرفهم فهو من الفضائل أيضا.
"وروى البيهقي في الدعوات" والبزار وابن عساكر وأبو نعيم، كلهم "من حديث أنس: كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال": "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان".
قال ابن رجب: فيه ندب الدعاء بالبقاء إلى الأزمان الفاضلة لإدراك الأعمال الصالحة فيها، فإن المؤمن لا يزيده عمره إلا خيرا، "وكان يقول ليلة الجمعة" نصب على الظرفية: "ليل أغر" أي: صبيح "ويوم الجمعة يوم أزهر" أي: نير مشرق، ولفظ رواية البيهقي: وكان إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>