للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما حديث عائشة، فعن سعد بن هشام قال: انطلقت إلى عائشة فقلت: يا أم المؤمنين، أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: كان خلقه القرآن، قلت: يا أم المؤمنين، أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ، ويصلي تسع ركعات ولا يجلس فيها إلا في الثامنة،


المصنف في شرح مسلم وفيه نظر، لأنها إنما تمت ثمانيا بالركعتين الخفيفتين، فكيف يعدهما ثانيا ويعلله بما ذكر.
وقد قال في فتح الباري: زاد، أي: في هذه الرواية على الرواة تكرار الوضوء وما معه، ونقص عنهم ركعتين أو أربعا، ولم يذكر ركعتي الفجر أيضا، وأظن ذلك من حبيب بن أبي ثابت أحد رواته، فإن فيه مقالا. انتهى.
"وأما حديث عائشة" قسيم قوله أولا، فأما حديث ابن عباس، "فعن سعد بن هشام" بن عامر الأنصاري ابن عم أنس بن مالك "قال: انطلقت إلى عائشة، فقلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بضم الخاء واللام وبسكون اللام أيضا، "قالت: ألست تقرأ القرآن، قلت: بلى، قالت: كان خلقه القرآن" في العمل بأحكامه والتأدب بآدابه والاعتبار بأمثاله وقصصه وحسن تلاوته، ويحتمل كما قال القرطبي أن تريد الآيات التي أثنت عليه صلى الله عليه وسلم، كقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤] وكقوله {الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيِّ} [الأعراف: ١٥٧] وما في معنى ذلك قال بعضهم: وفيه إيماء إلى التخلق بأخلاق الله، فعبرت عن المعنى بقولها: ذلك استحياء من سبحات الجلال وسترا للحال بلطف المقال، وهذا من وفور علمها وأدبها "قلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كنا نعد" بضم النون وكسر العين من أعد، أي: نهيئ "له سواكه وطهوره" الماء الذي يتطهر به، "فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه" أي: يوقظه من النوم وما موصولة، والعائد محذوف، أي: ما شاء فيه، تعني المقدار و"من الليل" بيانية.
قال الطيبي: إن قلت تقرر عند علماء المعاني أن مفعول شاء وأراد لا يذكر في الكلام الفصيح إلا أن تكون فيه غرابة، نحو قوله: ولو شئت أن أبكي دما لبكيته، وقوله تعالى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى} [الزمر: ٤] فأين الغرابة في قوله ما شاء أن يبعثه، قلت: كفى بلفظ البعث شاهدا على الغرابة، كأنه تعالى نبه حبيبه لقضاء نهمته من مناغاة ومناجاة بينهما ومن مكاشفات وأحوال، قال تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى، مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: ١١] فأي غرابة أغرب من هذا، "فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات ولا يجلس

<<  <  ج: ص:  >  >>