للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنوبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبته، وفاضت لك عبرته وذل


ما أظهر "لا يخفى عليك شيء من أمري" تأكيد لما قبله لدفع توهم المجاز أو التخصيص وفيه دلالة لقول أهل السنة؛ أن علمه يتعلق بالجزئيات والكليات "أنا البائس" بموحدة فهمزة فمهملة اسم فاعل، أي: الذي اشتدت ضرورته "الفقير" المحتاج إليك في جميع أحواله وأموره "المستغيث" المستعين، المستنصر بك فاكشف كربتي وأزل شدتي "المستجير": بالجيم الطالب منك الأمان من عذابك "الوجل" بفتح الواو وكسر الجيم، أي: الخائف "المشفق" أي: الحذر، يقال: أشفق من كذا بالألف حذر كما في المصباح.
وقال الزمخشري: أنا مشفق من هذا، أي: خائف منه خوفا يرق القلب ويبلغ منه مبلغا "المقر المعترف بذنوبه" عطف بيان.
قال الجوهري وغيره: أقر بالحق اعترف.
وقال الزمخشري: أقر على نفسه بالذنب اعترف.
"أسألك مسألة المسكين" أي: الخاضع الضعيف، سمي بذلك لسكونه للناس بكسر الميم عند جميع العرب إلا بني أسد فبفتحها، قال بعضهم: نصب مسألة بنزع الخافض أبلغ في قيام الوصف به لإثبات المسألة لنفسه في الخير، أي: أسألك وأنا كذلك، أفاد نظيره البيضاوي أو مفعول به مضاف إلى المسكين لما فيه من الذل والخضوع الموجب كل العطف عليه، وحذف الفاء من أسألك للمبادرة للمطلوب مع الاشتغال عنه بأسلوب آخر من التذلل وهو النوع الثالث، فإنه بدأ بالرب وما له على الانفراد وثنى بالعبد كذلك صريحا، وثلث بما للرب والعبد على وجه الصراحة والكناية في العبد كنظيره في قوله: "وأبتهل إليك ابتهال المذنب" أي: أتضرع إليك تضرع من أخجلته مقارفة الذنوب.
قال الجوهري وغيره: الابتهال: التضرع.
وقال الزمخشري: أبتهل إلى الله: تضرع واجتهد في الدعاء اجتهاد المبتهلين "الذليل" أي: الضعيف المستهان به "وأدعوك دعاء الخائف الضرير" أي: القائم به الضر.
وفي رواية: المضطر وهما بمعنى: قال بعض: هو من الضرر أو من الوصف الخاص، كالعمى لمن لا يهتدي إلى خلاص وإن اهتدى لا يمكن له ذلك، بين بهذا أن العبد وإن علت منزلته فهو دائم الاضطرار؛ لأن حقيقة العبد تعطي الاضطرار، إذ هو ممكن وكل ممكن مضطر إلى ممد يمده، وكما أن الله هو الغني أبدًا، فالعبد مضطر إليه أبدا ولا يزايله هذا الاضطرار في الدنيا والآخرة حتى لو دخل الجنة، فهو محتاج إليه فيها غير أنه غمس اضطراره في المنة التي

<<  <  ج: ص:  >  >>