للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جسده، ورغم لك أنفه، اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقيا، وكن بي رؤوفا رحيما، يا خير المسؤولين ويا خير المعطين".

وأتاه -صلى الله عليه وسلم- ناس من أهل نجد -وهو بعرفة- فسألوه كيف الحج؟ فأمر مناديا ينادي: "الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج، أيام


أفرغت عليه ملابسها، وهذا هو حكم الحقائق، إذ لا يختلف حكمها لا في العيب ولا في الشهادة ولا في الدنيا ولا في الآخرة، ومن اتسعت أنواره لم يتوقف اضطراره، وقد عتب الله قوما اضطروا إليه عند وجود أسباب ألجأتهم إلى الاضطرار، فلما زالت زال اضطرارهم ولما لم تقبل عقول العامة إلى تغطية حقيقة وجودهم سلط الحق عليهم الأسباب المثيرة للاضطرار ليعرفوا قهر ربوبيته وعظمة إلهيته "من خضعت لك رقبته" أي: نكس رأسه رضا بالتذلل إليك، وقال بعض الشراح: نعت آخر يجوز عوده لجهتي السؤال والدعاء وللثانية أقرب، وأسنده إلى الرقبة لظهور اختصاصه بها وإن كان الرأس الأصل، إذ لا حياة بدونها "وفاضت": سالت "لك عبرته" بفتح العين، أي: سال لك من الخوف دموعه، قيل: الفيض سيلان لا اختيار فيه "وذل" أي: انقاد لك "جسمه" بجميع أركانه الظاهرة والباطنة "ورغم لك أنفة " بكسر الغين المعجمة، أي: لصق بالرغام بالفتح وهو التراب ذلا وهوانا.
وقال ابن الأعربي: رغم بفتح الغين ذل، قاله المنذري.
وفي المصباح: رغم من باب قتل، وفي لغة من باب تعب كناية عن الذل كأنه لصق بالرغام هو أنا.
"اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقيا" أي: تعبا خائبا في ذلك ولا في غيره.
قال الزمخشري: من المجاز أشقى من رائض، أي: أتعب منه، ولم يزل في شقاء من أمره في تعب والباء للسببية، أو بمعنى مع والمصدر مضاف إلى مفعوله، أي: بدعائي إياك "وكن بي رؤوفا رحيما" أي: عطوفا شفوقا، أي: أوقع الوصفين بي، أي: اجعلهما ملابسين لي "يا خير المسؤولين" أي: من طلب منه "ويا خير المعطين" أي: من أعطى "وأتاه -صلى الله عليه وسلم- ناس".
وعند أبي داود: ناس أو نفر.
قال الولي: فيحتمل أنه شك من الراوي في اللفظ الذي قاله الصحابي، ويحتمل أنه تردد في أنهم ناس كثير، أو نفر يسير من ثلاثة إلى عشرة "من أهل نجد وهو بعرفة فسألوه" وعند أبي داود: فأمر رجلا فنادى رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "كيف الحج فأمر مناديا ينادي" وعند أبي داود: رجلا فنادى "الحج عرفة" مبتدأ وخبر على تقدير مضاف من الجانبين، أي: معظمه، أو ملاكه الوقوف بها لفوات الحج به، قاله البيضاوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>