للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال القشيري في "الرسالة" اختلف أي الأمرين أَوْلَى, الدعاء أو السكوت والرضى؟ فقيل: الدعاء، وهو الذي ينبغي ترجيحه لكثرة الأدلة، ولما فيه من إظهار الخضوع والافتقار، وقيل: السكوت والرضى أَوْلَى لما في التسليم من الفضل. انتهى.

وشبهتهم: إنَّ الداعي لا يعرف ما قُدِّرَ له، فدعاؤه إن كان على وفق القدرة فهو تحصيل الحاصل، وإن كان على خلافه فهو معاند.

وأجيب بأنَّه إذا اعتقد أنه لا يقع إلّا ما قدَّره الله تعالى كان إذعانًا لا معاندة, وفائدة الدعاء تحصيل الثواب بامتثال الأمر، ولاحتمال أن يكون المدعو به


التذلُّل والافتقار والاستكانة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: ١٥] ، الجملتان واردتان على الحصر، وما شرعت العبادة إلّا للخضوع للباري وإظهار الافتقار إليه، ولهذا ختم الآية بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [غافر: ٦٠] حيث عَبَّر عن عدم التذلل والخضوع بالاستكبار، ووضع عبادتي موضع دعائي, وجعل جزاء ذلك الاستكبار الصغار والهوان. انتهى، وفيه تجاسر على القرآن بقوله: عَبَّر، وبقوله: وضع, بمجرَّد احتمالٍ لاح له, فالأَوْلَى ما قبله عن السبكي.
وقال البيضاوي في شرح المصابيح: لما حكم بأن الدعاء هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمَّى عبادته م حيث دلالته على أنَّ فاعله مقبل على الله, معرض عمَّا سواه, لا يرجو غيره, ولا يخاف إلّا منه, استدلَّ عليه بالآية، فإنها تدل على أنه أمر مأمور به إذا أتى به المكلّف قَبِلَ منه لا محالة وترتَّب عليه المقصود, وترتَّب الجزاء على الشرط, والمسبَّب على السبب, "وقال القشيري في الرسالة: اختلف، أي: الأمرين أَوْلَى الدعاء أو السكوت والرضا" وثالثها: إن وجد في نفسه باعثًا استحبَّ الدعاء وإلّا فلا، ورابعها: إن جمع غيره معه استحب, وإن خص نفسه فلا, "فقيل: الدعاء، وهو الذي ينبغي ترجيحه لكثرة الأدلة" وسبق بعضها "ولما فيه من إظهار الخضوع والافتقار"؛ ولأنه سنته -صلى الله عليه وسلم- المتواترة عنه تواترًا معنويًّا، وقيل: السكوت والرضا أَوْلَى لما في التسليم من الفضل. انتهى".
وشبهتهم" كما قال الحافظ: "إن الداعي لا يعرف ما قُدِّرَ له، فدعاؤه إن كان على وفق القدرة" التي قدَّرها الله "فهو تحصيل الحاصل، وإن كان على خلافه فهو معاند" وكلاهما لا يجوز, "وأجيب بأنه إن اعتقد أنه لا يقع إلّا ما قدره الله تعالى كان" اعتقاده "إذعانًا لا معاندة فائدة الدعاء" حينئذ "تحصيل الثواب بامتثال الأمر" بالدعاء في الكتاب والسنة "ولاحتمال أن

<<  <  ج: ص:  >  >>