ما جاء به من الفتح بلا عزوٍ فيه أيضًا عن القشيري، وقالت طائفة: ينبغي أن يكون داعيًا بلسانه راضيًا بقلبه، قال: والأَوْلَى أن يقال: إذا وجد في قلبه إشارة إلى الدعاء, فالدعاء أفضل وبالعكس، قلت: القول الأَوَّل أعلى المقامات، وهو أن يدعو بلسانه ويرضى بقلبه, ولا يتأتَّى من كلّ أحد، بل ينبغي أن يخص به الكمَّل. قال القشيري: ويصح أن يقال: ما كان لله أو للمسلمين فيه نصيب فالدعاء أفضل، وما كان للنفس فيه حظّ فالسكوت أفضل. وعبَّر ابن بطال عن هذا القول لما حكاه بقوله: يستحب أن يدعو لغيره ويترك لنفسه، وعمدة من أَوَّلَ الدعاء في الآية بالعبادة أو غيرها قوله تعالى: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء} [الأنعام: ٤١] وإن كثيرًا من الناس يدعو فلا يستجاب له، فلو كانت على ظاهرها لم يتخلف، والجواب: إن كل داعٍ يستجاب له, لكن تتنوع الإجابة، فتارة تقع بعين ما دعا به, وتارة بعوضه. وقد ورد في ذلك حديث صحيح أخرجه الترمذي والحاكم عن عبادة بن الصامت رفعه: "ما على الأرض مسلم يدعو بدعوة إلّا آتاه الله إياها, أو صرف عنه من السوء مثلها"، ولأحمد من حديث أبي هريرة: "إما أن يعجّلها له وإمّا أن يدّخرها له"، وله عن أبي سعيد رفعه: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلّا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجّل له دعوته, وإمّا أن يدخرها له في الآخرة، وإمّا أن يصرف عنه من السوء مثلها" وصحَّحه الحاكم, وهذا شرط ثانٍ للإجابة، ولها شروط أخرى، منها: أن يكون طيب المطعم والملبس؛ لحديث: "فأنى يستجاب لذلك" انتهى. "وقد أرشد -صلى الله عليه وسلم- لكيفية الدعاء، فقال: "إذا صلى" أي: دعا "أحدكم, فليبدأ بحمد الله" وفي رواية: "بتحميد ربه" والحمد: الثناء بالجميل على الجميل، والتحميد حمد الله مرة بعد أخرى والثناء عليه" بما يتضمَّن ذلك، فهو عطف عام على خاص، فالثناء فعل يشعر بالتعظيم، كذا قاله بعضهم: وقال شيخنا: عطف تفسير, "وليصلّ على النبي -صلى الله عليه وسلم, ثم ليدع بما شاء" من الدين والدنيا بما يجوز طلبه "رواه الترمذي" وأبو داود وصحَّحه ابن حبان والحاكم "من حديث فضالة" بفتح الفاء وتضم "ابن عبيد" بضم العين- الأنصاري الأوسيّ, "وقال -عليه السلام- في