للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخَّرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدّم وأنت المؤخِّر, وأنت على كل شيء قدير" رواه الشيخان من حديث أبي موسى.

وكان أكثر دعائه: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" رواه الترمذي من حديث أم سلمة.


عليها, خاصّ على عام، باعتبار أن الخطايا أعمّ من المعتمد, أو من عطف أحد المتقابلين على الآخر, يحمل الخطايا على ما وقع على سبيل الخطأ, "وكل ذلك" المذكور "عندي" موجود, كالتذييل للسابق، أي: أنا متَّصف بهذه الأشياء فاغفرها لي، قاله تواضعًا وهضمًا لنفسه، أو عَدَّ فوات الكمال وترك الأَوْلَى ذنوبًا, "اللهم اغفر لي ما قدَّمت وما أخَّرت" وهذان شاملان لجميع ما سبق؛ كقوله: "وما أسررت" أخفيت, "وما أعلنت" أظهرت، أي: ما حدثت به نفسي وما تحرك به لساني، قاله تواضعًا وإجلالًا لله, أو تعليمًا لأمته.
وتعقَّبه الحافظ بأنه لو كان للتعليم فقط كفَى أن يأمرهم بأن يقولوا, فالأَوْلَى أنه للكل, "وما أنت أعلم به مني، أنت المقدِّم" لمن تشاء من خلقك بتوفيقه إلى رحمتك, "وأنت المؤخِّر" لمن تشاء عن ذلك, "وأنت على كلِّ شيء قدير" جملة مؤكدة لمعنى ما قبلها, وعلى كل شيء متعلق بقدير فعيل بمعنى فاعل, مشتق من القدرة وهي القوة والاستطاعة, وهل يطلق الشيء على المستحيل والمعدوم خلاف.
"رواه الشيخان" في الدعوات "من حديث أبي موسى" عبد الله بن قيس الأشعري, "وكان أكثر دعائه -صلى الله عليه وسلم: "يا مقلب القلوب" بتقليب أعراضها وأحوالها لا ذواتها, "ثبِّت قلبي على دينك" بكسر الدال.
قال البيضاوي: إشارةً إلى شمول ذلك للعباد حتى الأنبياء، ودفع توهّم أنهم يستثنون. وقال الطيبي: أضاف القلب إلى نفسه تعريضًا بأصحابه؛ لأنه مأمون العاقبة، فلا يخاف على نفسه لاستقامته؛ لقوله تعالى: {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يس: ٢-٣] ، وفيه: أن أعراض القلوب من إرادة وغيرها يقع بخلق الله, وجواز تسمية الله بما ثبت في الحديث وإن لم يتواتر, وجواز اشتقاق الاسم له من الفعل الثابت, وبقية الحديث: فقيل له في ذلك، فقال: "إنه ليس آدميّ إلّا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام, ومن شاع أزاغ"، زاد في رواية أحمد: "فنسأل الله أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا, ونسأل الله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب".
"رواه الترمذي من حديث أم سلمة" هند أم المؤمنين، قال الغزالي: إنما كان هذا أكثر دعائه لاطِّلاعه على عظيم صنع الله في عجائب القلب وتقلبه، فإنه هدف يصاب على الدوام من

<<  <  ج: ص:  >  >>